مصر و«الإيكونوميست»

مصر و«الإيكونوميست»

مصر و«الإيكونوميست»

 تونس اليوم -

مصر و«الإيكونوميست»

بقلم : مأمون فندي

خصصت مجلة «الإيكونوميست» عددها الحالي تقريًبا بشكل كامل لما يحدث في مصر، (عدد أسبوع من 6 إلى 12 أغسطس «آب» 2016)، قصة غلاف وتقارير داخلية تتحدث عن مصر بعنوان صارخ ربما متجاوًزا لرصانتها المعروفة: «خراب مصر»، مؤيدة هذه الرؤية بمواد وتقارير داخلية تقتبس فيها كلام شخصيات مهمة يصعب تجاوزها عن مصر، وعلى رأسهم السيدة كريستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي، الذي تنوي مصر أن تقترض منه 12 مليار دولار مقسمة على ثلاث سنوات. وكلها تقول إن مصر تسير في الطريق الخطأ. وليس لدي شك أن أهل الحكم لا يظنون ذلك، ولكن تجاهل عدد كامل من مجلة رصينة تعد بمثابة مؤسسة غربية، ليس من حسن الفطن.

فمجلة «الإيكونوميست» الإنجليزية مجلة محافظة، لها تأثير كبير على صناع القرارين الاقتصادي والسياسي في الغرب كله تقريًبا، فهي المجلة التي ترسم ملامح الجو المحيط بالاقتصاد العالمي وبرؤية المؤسسات الكبرى للدول، وكل تقاريرها من دون مؤلف باسمه، فكل ما يكتب في المجلة يمثل وجهة نظر هيئة التحرير كلها، ومعروف أيًضا أن الإيكونوميست ليست مجلة مندفعة أو مستعجلة في أحكامها، ومع ذلك أنا بشكل شخصي لست من المغرمين بكل تحليلاتها، ولكن عدم محبتنا لشيء لا يعني أن نتجاهله، خصوًصا إذا كان تحليلاً مهًما لمجلة بحجم وتأثير «الإيكونوميست».

للتخفيف من الصدمة لهذه الدعاية السيئة للوضع المصري، أقول ليس بالطبع كل الجمهور الغربي سيرى في هذا العنوان المبالغ فيه دعاية سيئة. ففئة المحامين مثلاً يرون في عنوان هكذا، عن أي بلد وليس عن مصر وحدها، أمًرا مفيًدا، حيث تزداد نسب النزاعات القانونية في مثل هذه الأجواء. وبهذا يكون هذا المشهد مربًحا لهم، أما البنوك فترى في هذا الجو فرصة للإقراض بنسبة عالية. وهكذا، إذن ليس كل دعاية سيئة مصيبة بالنسبة لفئات مختلفة.

إذا كان الأمر هكذا بالنسبة للمنتفعين من الأخبار السيئة، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن صورة مصر عالمًيا لم تتأثر وبشكل كبير، فالتقارير المطروحة داخل العدد ملخصها أن ترتيب مصر هو 131 عالمًيا في سهولة الاستثمار، إذن فإن المستثمر يحتاج إلى أكثر من 72 توقيًعا من البيروقراطية لكي يبدأ شركة، إضافة إلى حاجة كبيرة للرشوة والتعامل مع نظام شامل للفساد.

في نظر «الإيكونوميست» فشلت الدولة في إصلاح نظام مبارك من حيث الفساد، بل أضافت إليه سوء إدارة بنسبة أعلى من نظام مبارك، ومع ذلك يصر النظام السياسي على إعادة تركيب دولة مبارك سياسًيا، مما يصعب مهمة الإصلاح الإداري الجاذب للاستثمار والسياسي المؤدي للاستقرار.

ليست «الإيكونوميست» وحدها التي قدمت خلال الأسبوعين الماضيين نقًدا لاذًعا لما يحدث في مصر، بل سبقتها السيدة العجوز، «نيويورك تايمز» الأميركية، وأعرف أن بين بيروقراطياتنا من السفراء والإعلاميين ممن سيتحدثون عن حملة منظمة ومؤامرة ضد مصر، وربما في هذا بعض من الصحة، ولكن ليس كلها، ومع ذلك فإن صورة أي بلد، وليست مصر، عندما تتغير على صفحات «نيويورك تايمز» و«الإيكونوميست» أو «الفاينانشيال تايمز»، فلا بد لأهلها أن يأخذوا الأمر على محمل الجد، لأن صورة بلد في الإعلام العالمي، أًيا كانت قوة الإنكار، لا تغير من الأمر شيًئا.

الصورة ضرورية لإصلاحها، ولكن الأهم من إصلاح الصورة هو إصلاح الأصل، والوضع في مصر، ولا شك، يحتاج إلى إصلاح، وقد يحتاج إلى رؤية جديدة وحكومة أو وزارة جديدة، تأخذ على عاتقها مشروع إصلاح كبير يبدأ من القطاع المالي والاقتصادي، إلى السياسي والاجتماعي.

التشخيص الذي طرحته مجلة «الإيكونوميست» رغم أنه محدود في معرفته بمصر دولة ومجتمًعا، فإنه قريب من الواقع، والاعتراف بمشكلات الواقع هي بداية الحل.

مصر تحتاج إلى خارطة طريق جديدة ببرلمان جديد وحكومة جديدة وشرعية جديدة. جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم بشرعية لا يضاهيها أحد سبقه، ولكن مع الوقت ومع تنفيذ خارطة الطريق لا بد من إعادة هذه الشرعية إلى وهجها.

أدرك أن البرلمان بصيغته الحالية كان يهدف إلى استكمال خارطة الطريق، ولكن شرعيته منقوصة ولا أحد يراه برلماًنا مستقلاً، ومن هنا يكون من الأسهل البحث عن شرعية أكثر زخًما، من خلال برلمان جديد ورؤية سياسية جديدة وحكومة جديدة.

لا يمكن أن تغطى عين الشمس بغربال، وإنكار ما يكتب من تقييم للحالة المصرية في الغرب على أنه جزء من مؤامرة كونية من «مجلس إدارة العالم»، فهذا هو الانتحار بعينه.
مصر اليوم تحتاج إلى حوار جاد حول خارطة طريق جديدة وبوصلة جديدة

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر و«الإيكونوميست» مصر و«الإيكونوميست»



GMT 09:43 2019 الإثنين ,18 شباط / فبراير

الإمام والبابا

GMT 09:37 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

صباح الأحمد

GMT 02:52 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نظام عالمي جديد؟

GMT 03:56 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

الإعلام الجديد

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia