مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب

مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب؟

مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب؟

 تونس اليوم -

مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب

بقلم : مأمون فندي

بعد الحادثتين الإرهابيتين في طنطا والإسكندرية التي فجر فيهما الإرهابيون دور العبادة المسيحية في مصر٬ قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنشاء «المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب» كوسيلة للتنسيق بين أجهزة الدولة المختلفة للتعامل مع ظاهرة الإرهاب المركبة والتي تتطلب تعاملاً مع شقها الفكري والتعليمي والحاضنة استراتيجياً شاملاً وليس مجرد مجلس مثل سابقيه من المجالس. ولأن موضوع الاجتماعية للإرهاب. وهذا أمر محمود٬ شريطة ألا يكون المجلس المقترح هو مفهوماً الإرهاب خطر داهم وأمر شديد الجدية لا بد من مناقشة فكرة المجلس هذه بما يليق بها من الصرامة والجدية والأهمية.

فنحن أمام سؤال آخر مفاده: بداية٬ هل فكرة المجالس مثلت لمكافحة الإرهاب في دول أخرى حتى يحتذى بمثلها٬ أم هو مشروع مصري فريد؟ إذا كان مشروعاً مصرياً هل سيكون مصير هذا المجلس مثل المجالس العليا الأخرى في مصر٬ أم أن الأمر مختلف.. وفيم الاختلاف؟ لفتت نظري المنافسة على عضوية المجلس الجديد؛ فهل في مصر لكي يتنافس البعض على عضوية المجلس الجديد؟ وهل المجالس العليا التي لا تعد ولا تحصى هي أحد يعرف من هم أعضاء المجالس العليا الكثيرة جداً

مجرد جراج للمتقاعدين الذين يبحثون عن مكافأة حكومية زيادة٬ أم أن من يحكمون يريدون مكافأة البعض كنهاية خدمة؟ وهل فكرة المجلس الجديد تدعونا لمناقشة فكرة المجالس العليا بشكل عام من أجل تفعيلها لكي تقوم بمهامها؟ أم إن تجربة المجالس العليا فاشلة٬ ومن ثم يصبح إلغاؤها ضرورة وطنية؟ أسئلة كثيرة٬ ولكن قبل النقاش دعني أعطي بعض الأمثلة على المجالس العليا المصرية لكي تتضح النقطة.

أعلى٬ من المجلس الأعلى لشؤون التعليم إلى المجلس الأعلى للأزهر إلى المجلس الأعلى للرياضة والمجلس الأعلى للصحة هناك في مصر أكثر من ثلاثين مجلساً والمجلس الأعلى لشؤون البيئة والمجلس الأعلى للآثار والمجلس الأعلى للثقافة والمجلس الأعلى للصحافة والمجلس الأعلى لشؤون الطلاب والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية٬ ولا أدري ما الفرق بين المجلس الأعلى للأزهر والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.. وهناك المجلس الأعلى للمرور والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الأمومة والطفولة ومجلس المرأة ومجلس الشباب... إلى آخر ما تتخيل من المجالس العليا. القائمة لا تنتهي. أما المجالس القومية مثل المجلس المجالس القومية المتخصصة وهذا نوع آخر

القومي لحقوق الإنسان والمجلس القومي للإسكان والمجلس القومي للصحة النفسية فهي لا تعد ولا تحصى٬ وهناك أيضاً من المجالس. السؤال هنا٬ هل هي مجالس سياسات فعلية يؤخذ رأيها في الاعتبار أم هي «فض مجالس» كما يقولون عن العمل الخالي من أي مضمون؟ في اعتقادي أو تفكيك بنية المجالس برمتها إذا كانت مجرد ربما من حسنات المجلس الجديد هو فتح نقاش حول المجالس القديمة وتقييم تجربتها للإبقاء على بعضها إذا كان مفيداً جراجات للتقاعد.

فكرة المجالس ليست خاصة بمصر ولكنها منتشرة في بقية البلدان العربية رغم أنها ليست بعدد أو كثافة المجالس المصرية. السؤال الذي يراود المتخصصين هو: ترى من أشار على بعض الدول العربية بوجود هذا الكم غير المنتهي من المجالس التي لا مثيل لها في إدارة شؤون أي دولة أخرى في العالم٬ فشائع بين كل من درسوا لها.

الإدارة العامة أن المجالس واللجان هي تعطيل لأداء الأجهزة وليست مساعداً تحدي الإرهاب الذي تواجهه الدول العربية وأولها مصر هو تحٍد وجودي خطير٬ ويجب ألا يوكل أمره إلى فكرة المجالس التي جربناها في سياقات أخرى وكانت مجرد «ركنة» لمن تريد الحكومات بقاءهم كمستشارين دونما استشارة أو منحهم رواتب بلا وظيفة أو عمل محدد. ومن هنا يجب إما إعادة النظر في الفكرة الخاصة بالمجالس برمتها حتى لا تنفق الدول أموالاً طائلة على شيء لا طائل منه٬ أو أخذ فكرة المجلس بالجدية التي تليق ليتحول إلى مفهوم استراتيجي حاكم لدولة في حالة طوارئ٬ وهذا يتطلب أن تتمحور مهام الجهات المختلفة في الدولة حول المجلس كمفهوم استراتيجي حاكم. بما أنشأه الأميركيون بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 فيما عرف بوزارة الأمن في تصوري أن المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب يمكن أن يكون شبيهاً الوطني والذي كان الهدف منه تنسيق السياسات المختلفة بما يجعل الأمن القومي في بؤرة هذه السياسات ومركزها. ومع ذلك عند تقييم تجربة مجلس الأمن الوطني الأميركي كوزارة تنسيقية نجد أنها تجربة فاشلة أو على الأقل ليست ناجحة في أحسن الأحوال٬ وهناك مشكلات بين الأمن الوطني والأمن القومي وبقية الأجهزة من حيث أسئلة القيادة والتنسيق.

إنشاء مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب يعني بالضرورة إعادة هيكلة أجهزة الدولة لخلق حالة من التنسيق فيما بينها بكفاءة أعلى. وهنا تظهر فكرة المصالح الخاصة للوزارات أو أصحاب المصالح داخل الوزارات المختلفة (interests vested (والذين يفضلون استقلالية وزاراتهم حتى يتميزوا. إمكانية التعاون بين الأجهزة المختلفة للدولة بهدف مكافحة الإرهاب هو أمر بالغ التعقيد والتجربة الأميركية دليل ناصع. الفكرة التي اقترحها الرئيس السيسي جديرة بالاحترام والاحتفاء أيضاً٬ ولكن لا بد لها أن تناقش بجدية أكثر. بالطبع بعد فاجعتي طنطا والإسكندرية كان لزاماً على الدولة أن ترد وبسرعة٬ ومن هنا جاء اقتراح مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب. وهذا أمر محمود سياسياً٬ أما تنفيذ الفكرة فيحتاج إلى ورش عمل لمناقشتها وإلا أصبح مصير هذا المجلس الجيد كمصير المئات من المجالس المصرية القائمة

أعلى لمكافحة الإرهاب بقدر ما تحتاج إلى استراتيجية جديدة تتبناها أجهزة الدولة لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدد الأمن والسلم الاجتماعيين. مصر لا تحتاج مجلساً ومصر فيما يخص مواجهة الإرهاب ليست كلاً واحداً؛ مصر مناطق مختلفة كل لها خصوصيتها٬ فرغم وجود الإرهاب في سيناء٬ فإن مدن البحر مثلاً لا تعاني من ظاهرة الإرهاب نفسها كما تعاني منه سيناء. الصعيد غير الإسكندرية٬ والدلتا غير القاهرة٬ ومن هنا لا بد أن نضع نصب أعيننا الفوارق بين أقاليم مصر إذا كانت لدينا الجدية الكافية لمعالجة الظاهرة بشكل أكثر حكمة لإحراز نتائج مقبولة بالنسبة للمجتمع المصري وبالنسبة للسائح الزائر لمصر.

مصر تحتاج إلى حوار جاد حول الإرهاب وجذوره٬ ولنبدأ بتقييم التعليم والبيئة الحاضنة المنتجة للتطرف والإرهاب وبعده نتحدث عن التنظيمات الإرهابية٬ ثم بعد ذلك نفتح موضوع الدول الراعية للإرهاب.

دونما التركيز على مثلث الإرهاب والمتمثل في ثقافة حاضنة للإرهابي بعدها نركز على التنظيماتوطريقة جذبها للشباب وتطوير برامج تأخذ النشء بعيداً عن عالم التنظيمات وعالم الإرهاب٬ دونما التركيز على هذا المثلث ستبوء كل مجهوداتنا بالفشل

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب



GMT 09:43 2019 الإثنين ,18 شباط / فبراير

الإمام والبابا

GMT 09:37 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

صباح الأحمد

GMT 02:52 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نظام عالمي جديد؟

GMT 03:56 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

الإعلام الجديد

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia