وقف إطلاق النار في سوريا أو «سايكس ـ بوتين» مرة ثانية

وقف إطلاق النار في سوريا أو «سايكس ـ بوتين» مرة ثانية

وقف إطلاق النار في سوريا أو «سايكس ـ بوتين» مرة ثانية

 تونس اليوم -

وقف إطلاق النار في سوريا أو «سايكس ـ بوتين» مرة ثانية

بقلم : مأمون فندي

من يقرأ بتر ٍو وهدوء ما طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقف إطلاق النار تتكشف له خطة روسيا الاستراتيجية لشرق أوسط جديد روسي هذه المرة٬ أو على الأقل ملامح السياسة الخارجية الروسية التي تشكل رؤية جديدة سميتها حينها ولا أزال بـ«سايكس ­ بوتين» («الشرق الأوسط» 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2015(٬ أي إعادة ترتيب الشرق الأوسط وتحالفاته بما يخدم تزايد النفوذ الروسي في منطقتنا. لم يلفت نظري وقف إطلاق النار بقدر اهتمامي بتوقيته ونوعية المدعوين ومكان الدعوة للمباحثات لإنهاء الأزمة السورية.

وفي هذا التوقيتً إعلان وقف إطلاق النار في سوريا الذي أعلنته روسيا مع تركيا والذي وافق عليه النظام والمعارضة باستثناء الجماعات شديدة التطرف٬ لا يأتي عبثًا ما بعد حلب إقليمًيا وانتقال السلطة في أميركا من إدارة باراك أوباما إلى إدارة دونالد ترامب. واضح أنه ليس بالأمر وليد التفكير اللحظي أو المستعجل.. إنه اختراق استراتيجي لروسيا بوتين في منطقة الشرق الأوسط وربما على لوحة الشطرنج العالمية.

كتبت في مقالي عن «سايكس ­ بوتين» منذ عام مضى٬ أن «التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط قد يتغير جذرًيا بالتدخل الروسي المباشر في الأزمة السورية٬ تدخل يأتي في سياق دولي٬ علاماته الواضحة هي التردد الأميركي حيال قضايا الاستقرار في المنطقة»٬ نحن لسنا اليوم وفي المرحلة الانتقالية بين إدارتين في أميركا٬ إزاء تردد أميركي٬ بل فراغ استراتيجي ناتج عن انسحاب أميركي من المنطقة تملأه روسيا. وتصاحب هذا الانسحاب الأميركي حالة ضعف أوروبية غير مسبوقة٬ وقد اختبر الروس كلاً من الأميركان والأوروبيين في أوكرانيا فشجعتهم النتائج على اختبارهم في الشرق الأوسط٬ وكانت سوريا وحتى الآن تبدو من منظور روسيا تدخلاً لوقف إطلاق النار في سوريا٬

ناج ًحا. أما على السياق الإقليمي فواضح أن هناك رغبة إيرانية عارمة في توسيع وفرض نفوذها إقليمًيا. أما اشتمال روسيا لتركيا كراعٍ فقد يعني أي ًضا أن روسيا تراعي التوازن الطائفي الإقليمي٬ ولكنها تحدد من يمثل السنة في اللوحة الروسية الجديدة للإقليم. هذه المحددات المقلقة تضع العرب برمتهم في مأزق استراتيجي شامل لا مخرج منه إلا بإعادة ترتيب أولويات العرب إزاء التحالفات الكبرى أو الاعتماد على النفس في تغيير ملامح المشهد الاستراتيجي الإقليمي٬
.

ومع ذلك فالأمر ليس سهلاً الاستراتيجية الروسية تبدأ بنقل الحوار حول سوريا من جنيف إلى الآستانة عاصمة كازاخستان٬ أي من أوروبا إلى آسيا٬ وتدعو للحوار تركيا ومصر المتناقضتين في المواقف وكذلك قطر٬ ولمن يعرف طبيعة المؤتمرات هذه يدرك أن عين الروس ليست على سوريا فقط٬ وإنما على حوار جانبي بين دول بينها جفوة مثل مصر وتركيا من ناحية٬ ومصر وقطر من ناحية أخرى. هذان مؤشران لرؤية روسيا للمشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط٬ شرق أوسط جديد بتحالفات جديدة وبصبغة روسية.

يبقى التناقض الكبير بين إيران والسعودية الذي قد تتوسط فيه كل من روسيا وتركيا٬ مع أن فرص نجاحه محدودة٬ وكذلك حالة التوتر المؤقتة في العلاقات السعودية المصرية. كل هذه الألوان ستحاول روسيا مزجها في لوحة استراتيجية جديدة بصبغة روسية. فهل سينجح مؤتمر «سايكس ­ بوتين» في كازاخستان في تحقيق كل هذا؟ لا شك أن روسيا قد تنجح في التوصل إلى حل فيما يخص سوريا والأسباب كثيرة٬ وأولها أن روسيا هي الموجودة على الأرض وتحقق انتصارات٬ أما السبب الثاني فهو تعب الأطراف كلها من حرب لم تحسم تما ًما (fatigue war(٬ والسبب الثالث هو التعاون ولأول مرة بين قوة عالمية (روسيا) وقوة إقليمية (تركيا) لحسم الأمور في سوريا. بالطبع هناك الدور الإيراني المختبئ في العباءة الروسية. وكما أن هناك أسباًبا تدعو للتفاؤل لإنهاء الصراع٬ هناك أسباب أخرى تدعو إلى التشاؤم.

السبب الأول يكمن في القضية الكردية وتناقض كل من الموقفين الروسي والتركي وربما الإيراني تجاه قضية الأكراد٬ وهذا سبب كفيل بانهيار التصور النهائي للحل٬ كما أن المعارضة السورية تقول إن إيران قد تلعب دور المخرب لأنه ليس من مصلحتها إنهاء الأزمة٬ ولكن إيران وسوريا مًعا اليوم تخضعان لإرادة بوتين. سبب ثالث هو الدور الأميركي غير المعروف لإدارة دونالد ترامب٬ رغم أن ترامب يستنفد السنة الأولى من حكمه من أجل تثبيت قدميه أولاً ومن أجل مزيد من الإلمام بالقضايا العالمية٬ لذا ستكون أمام روسيا فرصة سنة كاملة تقريًبا لتثبيت رؤيتها للشرق الأوسط الجديد.

أمر آخر هو قد يكون كل هذا المؤتمر خدعة استراتيجية الهدف منها هو سلخ المعارضة المعتدلة بعيًدا عن المعارضات المتطرفة متمثلة في «النصرة» و«جند الشام» من أجل القضاء عليها٬ ولا توجد قوة في العالم ستعترض على ضرب قوى الإرهاب متمثلة في رموز التطرف. بعد ذلك تكون للنظام اليد العليا في المفاوضات.

أمران آخران كاشفان فيما يخص الخدعة الاستراتيجية الروسية؛ الأمر الأول هو ما قاله وزير الدفاع الروسي إنه يسعى لتخفيض قواته في سوريا بهدف تطمين المجتمع الدولي وأميركا والأطراف الإقليمية٬ لكن ذلك لن يحدث٬ لأن وجود روسيا هو ورقة الضغط التي يستخدمها بوتين ضد ترامب٬ فلن يتخلى عنها بسهولة. الأمر الثاني هو ردة فعل بوتين على طرد الدبلوماسيين الروس من الولايات المتحدة الذي يهدف إلى نزع فتيل الأزمة بين أميركا وروسيا٬ مما يكشف عن عقل بارد لدى الرئيس الروسي في ترتيب الأولويات وعدم الغرق في التكتيك على حساب الاستراتيجية.

وتبقى دعوة أطراف متناقضة إقليمية بهدف إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية كنقلة نوعية في الدبلوماسية الإقليمية. كل هذا يقول إننا أمام شرق أوسط جديد روسي٬ فهل تسمح أميركا بـ«سايكس ­ بوتين» على حساب «سايكس ­ بيكو» القديمة؟ هذا هو تحدي إدارة ترامب في الشرق الأوسط

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وقف إطلاق النار في سوريا أو «سايكس ـ بوتين» مرة ثانية وقف إطلاق النار في سوريا أو «سايكس ـ بوتين» مرة ثانية



GMT 09:43 2019 الإثنين ,18 شباط / فبراير

الإمام والبابا

GMT 09:37 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

صباح الأحمد

GMT 02:52 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نظام عالمي جديد؟

GMT 03:56 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

الإعلام الجديد

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia