مسارات سوريا واختزال الأعداء

مسارات سوريا واختزال الأعداء

مسارات سوريا واختزال الأعداء

 تونس اليوم -

مسارات سوريا واختزال الأعداء

مأمون فندي

ترى ما هي المسارات التي يمكن أن تأخذها الأزمة السورية؟ هل هو مسار الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عاما ودفع لبنان فيها الثمن غاليا، ولسخرية القدر لم يستقر لبنان إلا بعد دخول القوات السورية؟ أم أن مسار سوريا هو العراق بعد إزاحة صدام حسين عن الحكم في 2003. وما تلاها من اجتثات البعث وحل الجيش الذي أوصل العراق بعد اثني عشر عاما إلى ما هو عليه الآن من حالة سيولة واضطراب سياسي؟ أم أن مسار سوريا هو التقسيم على أساس طائفي يكون الساحل فيه للعلويين، وجبل العرب للدروز، إلى آخر التقسيمة الطائفية التي يعرفها الجميع؟ أم أن مستقبل سوريا هو الـ(status quo anti) أي كما كانت قبل الثورة السورية؟ أن يعود النظام القديم ببعض التعديلات؟ أسئلة كثيرة لا بد من التفكير فيها، إذا كنا أو ما زلنا نعتقد أن مستقبل سوريا كبلد عربي يهمنا.

مرت أربع سنوات على ثورة سوريا التي أصبحت حربا أهلية فيما بعد. أربع سنوات والعالم العربي منقسم ليس بالتساوي بين من ينتظر سقوط الأسد، ومن ينتظرون نجاحه في حسم الصراع المسلح لصالحه. ولكن بعد أربع سنوات لم يحسم الصراع لا للنظام ولا للمعارضات بأنواعها، لا غالب ولا مغلوب، التعادل بلا أهداف هي نتيجة المباراة، رغم أنه من العيب الشديد أن نشبه صراعا ثمنه فادح على مستوى خسارة آلاف الأرواح من البشر بمباراة، ولكن فقط لتقريب الفكرة، فهل سيبقى العالم العربي سجين فلسفة «ادي زوبه زقة؟» أي فقط بقيت أيام ويسقط النظام أو أيام وتسحق المعارضة، من دون أن نكلف أنفسنا حساب ثمن هذه الفلسفة على بلد محوري بالنسبة للعالم العربي.

قبل البحث في مسارات سوريا وإلى أين تذهب، لا بد من تفكيك المخاوف التقليدية التي أصبحت صورا ذهنية جاهزة تملكت من الرؤوس، وأعرف أن هذا ربما لا يعجب قراء كثرا منهم أصدقاء لي، ولكن لا بد من التعامل مع الأفكار المختلفة إذا كنا جادين في البحث عن حل لأزمة طال أمدها، وبتكلفة إنسانية عالية جدًا. وبعد تفكيك الأفكار المسبقة والصور الذهنية الجاهزة، لا بد من التعامل مع الدروس المستفادة من حرب لبنان الأهلية، ومن تجربة تفكيك المؤسسات في العراق حتى تتمكن سوريا من التعافي، ويجب ألا يكون عندنا شك أن أمد التعافي طويل.

الخوف التقليدي من مسار status quo anti، هو القائل أن عودة النظام القديم بتعديلات تعني انتصارا لإيران. هذا التخوف يحتاج إلى تفكيك. بداية، تعايش العالم العربي مع علاقة سورية - إيرانية أيام الأسد الأب، ولكن هذا لم يمنع حافظ الأسد من الالتزام العربي، سواء في دخول لبنان كقوة ضامنة لاتفاق الطائف أو التزامه بدخول تحالف تحرير الكويت، رغم أنه كان ضد صدام في حربه مع إيران. إذن التعاطي السياسي مع المتناقضات السورية لم يكن يوما أزمة بالنسبة للدبلوماسية العربية. أضف إلى ذلك أن الفرس تاريخيا لم يسيطروا على سوريا، كما سيطر الرومان والأتراك العثمانيون والفرنسيون. الحقيقة هي أن الخوف المبرر تاريخيا بالنسبة للسوريين، هو من تركيا وليس من إيران. إذ سيطر العثمانيون قرونا على سوريا واقتطعوا منها لواء الإسكندرون. واليوم ينسق رجب طيب إردوغان مع واشنطن للتدخل في سوريا بحجة مواجهة «داعش»، رغم أن خوف إردوغان الحقيقي يأتي من الأكراد فقط، ومن احتمالية قيام دولة كردية، وليس من «داعش». الأكراد لا «داعش» هم مصدر الخطر الحقيقي على تركيا. النقطة التي أريد التركيز عليها هي أن العيون على طهران، رغم أن الخطر قادم من أنقرة وهنا المقلب الحقيقي. وهذا ما أقصده بتفكيك الصور الذهنية الجاهزة فيما يخص ما هو خطر على الأمن القومي العربي. سوريا كبلد يمكن سلخها من إيران، ولكن الخوف كل الخوف هو سقوط جزء منها تحت السيطرة التركية، وهذا أمر صعب حسمه أو التعامل مع تبعاته.
سيناريو التقسيم من أخطر المسارات. فتقسيم سوريا يعني تفكيك سايكس بيكو تمامًا، ومعه تتساقط أحجار الدومينو بداية من الأردن وبقية الهلال الخصيب وربما إلى الخليج. وهذا المسار يحتاج إلى تأمل وتفكير جاد في اللوحة الاستراتيجية الأكبر الخاصة بالأمن القومي العربي.

المسار اللبناني هو مسار مكلف للغاية، ولا طائف هناك لسوريا، ولا توجد سوريا أخرى للدفع بقواتها لخلق حالة استقرار في سوريا. سيناريو الحرب الأهلية الممتدة كما في حالة لبنان ومن قبلها السودان له تبعات وخيمة، لا بد أن يتأملها الراغبون في إزاحة الأسد بأي ثمن. الدروس المستفادة من تجربة لبنان هي أن «الطائف» لا يقضي على الطائفية، حتى لو أحدث صيغة استقرار. وسوريا أعقد بكثير من لبنان من حيث التركيبة السكانية الداخلية وتوازناتها واللوحة الجيوسياسية الأكبر.
المسار الأخير هو مسار العراق من خلال تفكيك حزب البعث وحل الجيش العقائدي وتفكيك المؤسسات، وهذا رأينا تبعاته خلال الاثني عشر عاما الماضية. لن يستطيع العالم العربي التعاطي مع (عراق) منفجر آخر إلى جانب العراق.
كل ما أريد قوله حتى لا ندخل في حوار يلخص المقال بأكمله، وكأنه يدعو لبقاء النظام السوري، أو على أنه تنظير لما قاله وزير الخارجية البريطاني مؤخرًا، لا بد أن نفكر بشكل خلاق وفيه قدرة على تجنب شخصنة صراع خطير ومكلف للسوريين والعرب في الوقت ذاته.

حل الأزمة في سوريا يحتاج إلى تفكير خارج الصندوق التقليدي الخاص بالتمدد الإيراني. الخطر على المنطقة من بقاء الأسد لن يكون بحجم الخطر إن وقعت سوريا بقبضة «داعش» وجماعة البغدادي أو الإخوان.
حل الأزمة السورية يحتاج أولا إلى الانتقال من فلسفة «ادي زوبه زقه» إلى تأمل كل المسارات والسيناريوهات المحتملة، وترتيبها من الأسوأ إلى الأقل سوءا، فالوضع الراهن لا يمكن احتماله أو تقبله لا للسوريين ولا لبقية العرب.

إيران ليست العدو الإقليمي الوحيد للعرب. فالجوار غير العربي ممثلا في إسرائيل وتركيا وإيران كله له مطامع في عالم عربي أصابته حالة من الوهن، فكرة أن إيران هي العدو الوحيد والتصدي لها في لبنان يشبه التصدي لها في اليمن أو في سوريا هي فكرة غير استراتيجية في أحسن حالاتها، فكرة العدو الذي يناسب كل الحالات تشبه فكرة الملابس التي تقول بمقاس واحد يناسب الجميع (one size fits all) وهذه فكرة محدودة خصوصا في سوريا، حيث هناك جزء منها تحت الاحتلال الإسرائيلي، وجزء آخر تحت الاحتلال التركي، والبقية نفوذ إيراني وليس احتلالا. إذن الأعداء الثلاثة مجتمعون في الحالة السورية، واختزالهم كما في إعلان القهوة «الثلاثة في واحد»، هو اختزال مخل وخطر على الأمن القومي العربي.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسارات سوريا واختزال الأعداء مسارات سوريا واختزال الأعداء



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 00:00 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

عليك النظر إلى المستقبل البعيد واختيار الأنسب لتطلعاتك

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 13:21 2021 الخميس ,22 إبريل / نيسان

عملاق صيني للطرق الوعرة سيظهر العام الجاري

GMT 11:08 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

شركة كيا تكشف عن النسخة الأحدث من طراز K5

GMT 12:43 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة شخص وإصابة 2 بتصادم 3 سيارات في دبي

GMT 06:02 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق تعاون بين الأردن والكويت

GMT 12:58 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آلات قطر الإعلامية والدينية.. والتحريض على مصر وجيشها

GMT 07:04 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كثرة التنقل
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia