هدى الحسيني
نترك الرئيس الأميركي باراك أوباما يدافع عن «صفقة» يريدها بأي ثمن مع إيران، حيث يكشف في حديثه إلى «النيويورك تايمز» يوم الأحد الماضي، عن استعداده لتمزيق بقية العالم العربي من الداخل «كرمى» لعيون «الرجل الصعب» المرشد الأعلى الإيراني، لذلك على العرب أن يستعدوا ويحذروا ويتوقعوا طلبًا من أوباما بأن تُلتقط صورة له، وهو يصافح المرشد الأعلى، بعد التوقيع النهائي على الاتفاق، هذا إذا تحقق له ذلك، ونبقى مع الدور الإيراني الخطير في اليمن، حيث المعركة هناك من أجل السيطرة على البحر الأحمر. لأول مرة تلجأ المملكة العربية السعودية إلى سلاح الطيران داخل اليمن، ومع دخولها الحرب فمن الواضح أن الخصم المواجه هو إيران الراعي الأساسي للحوثيين.
متخفيًا بستار دعم «الإخوة الشيعة»، كان هدف الطموح الإيراني السيطرة على كل منافذ البحر الأحمر، فالسيطرة الإيرانية على موانئ باب المندب تترك تداعيات استراتيجية كبرى، بدءًا من القدرة على التأثير على حركة الملاحة الدولية من خلال المضايق، وقدرة تمس كل طرف يتاجر مع الدول الممتدة على شاطئ البحر الأحمر، والأهم تؤدي إلى قفزة كبيرة في قدرة طهران على تهريب الأسلحة.
التحكم بموانئ اليمن على البحر الأحمر، إن كان مباشرة أو عبر الحوثيين، من شأنه أن يسمح لإيران بتحقيق اختراق كبير نحو «الهدف الأسمى» الذي يقاتل من أجله الحرس الثوري الإيراني وهو نشر الثورة الشيعية الإيرانية عبر المقاومة والحرب.
الإعلان عن إغلاق المجال الجوي والمياه الإقليمية اليمنية، جنبًا إلى جنب مع الغارات الجوية من قبل قوات التحالف العربي، أحبط وصول طائرات إيرانية محملة بالأسلحة للحوثيين.
لقد أثبت الحرس الثوري الإيراني أن لديه قدرة على تهريب الأسلحة، إلى الحوثيين في اليمن، ببراعة وفعالية، جوًا وبحرًا.
في الواقع، بدأ تهريب السلاح الإيراني إلى الحوثيين قبل سنوات. مثلاً في يناير (كانون الثاني) 2013 عثرت البحرية الأميركية واليمنية على 40 طنًا من الأسلحة المتطورة كان تم تخزينها في بطن السفينة الإيرانية «جيهان - 1» وحسب التقارير، عثر بين السلع مضادات للطائرات وللدبابات وقذائف «آر بي جي»، ومواد متفجرة ومعدات للرؤية الليلية، لو نجحت عملية التهريب هذه، فإن التحدي الذي يواجهه اليوم الطيارون الذين يهاجمون معاقل الحوثيين كان أكبر.
سيطرت إيران ولمدة ستة أشهر على عدة موانئ على البحر الأحمر بينها ميناء الحديدة، لكن منفذًا لإيران على مضيق باب المندب كان وفر لها طريقًا مفتوحًا للسفن المحملة بالأسلحة الإيرانية. حسب معلومات مطلعة، فإن جزءًا من الأسلحة المنقولة إلى اليمن كان مخصصًا للحوثيين، أما الباقي فإنه للمصالح الإيرانية الأبعد باتجاه الشمال على طول البحر الأحمر من اليمن إلى القرن الأفريقي، إلى مصر وإلى حوض البحر الأبيض المتوسط.
لو نجح الحرس الثوري الإيراني في السيطرة على مضيق باب المندب، فإنه كان سيستمر في نقل الأسلحة باستخدام الطريقة الحالية في نقله الأسلحة إلى سوريا، عبر «الوحدة - 190» من «فيلق القدس»، وهي الوحدة السرية لتهريب الأسلحة، التي تحدث عنها الإعلام أخيرًا، وكانت تعمل بفعالية سرًا ولسنوات. إنها قوة صغيرة من عدة عشرات من الأشخاص، تنقل أسلحة حديثة متطورة إلى «حزب الله» في لبنان، وحركة «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» في غزة، وإلى بعض النقاط في شمال أفريقيا. وكما في كل هذه العمليات، فإن الذي يقف وراء تهريب السلاح إلى الحوثيين في اليمن هو الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الذي خرج من الظل وبدأ يظهر في وسائل الإعلام إلى درجة حملت أحد المواقع الإيرانية إلى التساؤل عما إذا كان سليماني ينوي دخول المعترك السياسي، مع العلم بأن الود مفقود بينه وبين الرئيس حسن روحاني.
«الوحدة - 190» عادة ما تستخدم أعالي البحار لتهريب السلاح. في بداية عام 2009، ضبطت السفينة «مونشيه غورسك» في قبرص وهي في طريقها إلى سوريا وكانت محملة بالأسلحة الإيرانية. في السنة نفسها أوقفت السفينة «هانسا إنديا» في مالطا بعدما غادرت ميناء بندر عباس على أساس أنها محملة ببضائع عادية، وكانت في حقيقة الأمر تخفي أسلحة موجهة إلى «حزب الله» في لبنان. أيضا في عام 2009 احتجزت البحرية اليمنية سفينة إيرانية «مانهان - 1»، محملة بالأسلحة وكان وجهتها الثوار الحوثيون في شمال البلاد. وأظهرت تحقيقات الأجهزة الأمنية اليمنية أن تلك السفينة تم تحميلها في بندر عباس.
تهريب كميات ضخمة من الأسلحة تحت غطاء سفن مدنية، مستمر الآن على قدم وساق، وكذلك مستمر النشاط الدولي لمكافحة الإرهاب، وهدفه إفشال عمليات نقل الأسلحة، وهناك أمثلة بارزة على ذلك، منها مصادرة 7 أطنان من المواد المتفجرة عام 2010 في مرفأ «جيايو تورو» في إيطاليا، وإحباط تهريب أسلحة إيرانية عام 2012 كانت محملة في السفينة الألمانية «أتلانتيك كروزر» في جيبوتي، وكانت في طريقها إلى سوريا.
تتضمن أساليب عمل «الوحدة - 190» السرية تخزين الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة داخل شحنات مدنية تحت تسميات قطع غيار للسيارات، أو زيوت الطبخ. وتعمل الوحدة بطريقة معقدة جدًا. والمتوقع أن تستخدم أساليب هذه الوحدة من قبل قوات «فيلق القدس» لمساعدة الحوثيين من أجل السيطرة على كل اليمن، يستند نشاط هذه الوحدة إلى مجموعة من الشركات الوهمية تلقت الشرعية الدولية لتنفيذ صفقات تصدير من إيران عبر واجهات شركات مدنية. لكن الشاحنات التي تشق طريقها إلى مطار الإمام الخميني في طهران محملة بسلع مدنية للتصدير من قبل هذه الشركات، يتم تحويلها إلى مستودع مجاور لـ«فيلق القدس». هناك يخبئ رجال «الوحدة - 190» الأسلحة المتطورة، من معدات للرؤية الليلية إلى صواريخ بعيدة المدى، كلها تحت ستار بضائع مدنية ظاهريًا. وهذا انتهاك صارخ لقرار مجلس الأمن الدولي 1747 لعام 2007 الذي يحظر على إيران نقل أسلحة من أراضيها. بعدما اكتشفت الدول الغربية أساليب التهريب هذه، وضعت وزارة الخزانة الأميركية بعض هذه الشركات على قائمة الإرهاب. وكانت هذه الشركات تقوم، تحت جنح تصدير علب حليب البودرة، بتهريب الصواريخ إلى «حزب الله» على شاطئ المتوسط، وإلى النظام السوري، وإلى الميليشيات الموالية لإيران في العراق.
هناك أيضا لـ«الوحدة - 190» تدابير تشغيل لنقل أسلحة عبر الجو، وانكشف الأمر مع فرض عقوبات دولية على شركات طيران تساهم في نشاط الحرس الثوري. وكانت مسارات الخطوط الجوية الإيرانية «إيران إير»، و«ماهان إير» تستعملها أيضا «الوحدة - 190» لنقل الأسلحة عبر الرحلات التجارية، وبالذات التهريب إلى سوريا.
عبر هذه الطريقة هربت إيران الأسلحة إلى اليمن في ما لا يقل عن 14 رحلة طيران مباشرة أسبوعيًا، لكن هذا المخطط - الذي كادت إيران تعتمده في مصر زمن الرئيس محمد مرسي عندما أعلنت عن تسيير رحلات أسبوعية لنقل الحجاج - تمت «عرقلته» من قبل قوات التحالف العربي في «عاصفة الحزم»، لكن، كما الحال دائمًا مع المخططات الإيرانية من المنطقي الافتراض بأن قيادة «فيلق القدس» لن تستسلم، وحسب تاريخ الإمبراطورية الفارسية كان اليمن ضمن الدول التابعة لها. ومع إغلاق الخيار الجوي أمام نشاطها، سوف تنظر إلى المنافذ البحرية، وتجدر الملاحظة كيف أن الحوثيين يركزون هجماتهم على المدن ذات المرافئ.
مهما تطور الوضع، هناك أمر واضح للعيان، فإن الثوار الحوثيين يدينون بنجاحاتهم في سرعة احتلال العاصمة صنعاء والتوجه نحو عدن، قبل عملية «عاصفة الحزم»، إلى الدعم الهائل الذي قدمه لهم الحرس الثوري الإيراني، وبالذات «الوحدة - 190». إن قدرة التحالف العربي والجهود الدولية لإحباط عمليات التهريب الإيرانية إلى عدن سيكون عنصرًا حاسمًا في المعركة الدائرة حاليًا من أجل مستقبل اليمن.