كان فوز بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية مفاجأة لليسار الإسرائيلي ولإدارة الرئيس باراك أوباما، ويبدو أنه بدأ يرتد على الاثنين. وحسب التقارير فقد أنفقت الإدارة الأميركية مبالغ طائلة على هيئات غير حكومية أبرزها «V - 15» التي تضم 15 منظمة، وقيل إن الأموال خرجت من وزارة الخارجية الأميركية، وكان الهدف إسقاط نتنياهو. ثم إن مالك صحيفة «يديعوت أحرونوت» نوني موزيس - يقال إنه يحب أن يكون رئيس حكومة من وراء الستار - ركز طوال الحملة هجومه على نتنياهو، ونشر وثيقة مسربة عنونها «وثيقة بيبي» تقول إنه قدم تنازلات كثيرة للفلسطينيين، وكان ذلك لإبلاغ اليمين الإسرائيلي أنه يخونهم سرًا لإرضاء اليسار، فيجعل نتنياهو يبدو من ناحية اليمين وكأنه يريد السلام، ومن ناحية اليسار وكأنه يرفض التسوية. وتبين أن ما نشر كان مسودة لخطة وضعتها الخارجية الأميركية وحملها دنيس روس ليقول لاحقاً في مقابلة: إن هذه وثيقة أميركية رفضها نتنياهو.
كذلك أثبتت استفتاءات الرأي العام في إسرائيل أنها أخطأت عندما رفعت نسبة فوز اليسار، فصدق اليسار وصدق العالم.
قالت الإدارة الأميركية بعد النتائج، إنه طالما أن نتنياهو يرفض فكرة الدولة الفلسطينية فلن نقدم لإسرائيل الحماية. نتنياهو تراجع عن «التهور الانتخابي» وكما قال: شرط أن تتغير الظروف، لكن العارفين يقولون، إنه لا هو ولا اليسار الإسرائيلي يستطيعان تقديم الدولة، فمن سيعرّض حياة المواطنين للخطر إذا ما تم إسقاط طائرة أقلعت من مطار بن غوريون، ثم إن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية بنظر الإسرائيليين، حتى من دون «حماس»، متهم بأنه يريد الدولة والتوغل داخل إسرائيل عبر تمسكه بحق العودة.
لا تشعر إسرائيل بقلق من التصريحات الأميركية، (يوم الاثنين الماضي قاطعت الولايات المتحدة جلسة في مجلس حقوق الإنسان في جنيف التابع للأمم المتحدة، بشأن انتهاكات ضد الفلسطينيين). هي تعتقد أنه في الشرق الأوسط «الحديث» فإن الولايات المتحدة بحاجة أكثر لإسرائيل وليس العكس، وهنا يبرز مستقبل الأردن، فإذا ما تعرض لأي تهديد من المتطرفين فإن واشنطن لن ترسل قوات برية لحمايته بل.. إسرائيل.
المعروف عن تشاك هيغل وزير الدفاع الأميركي السابق أنه دخل الإدارة وهو ضد إسرائيل، وخرج منها كـ«أفضل صديق» لموشيه يعالون وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، والسبب كما يقول مصدر أميركي أنه اكتشف أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تستطيع أميركا الاعتماد عليها في المنطقة. ويضيف المصدر: في أي دولة يستطيع الجندي الأميركي أن يسير في شوارعها والكل يرحب به، في بقية الدول الحليفة لأميركا يخاف من طعنة سكين في ظهره.
العلاقة بين إسرائيل وأميركا ستبقى متوترة خلال السنة ونصف السنة المقبلة، أي حتى انتهاء حكم أوباما.
مع فوز نتنياهو صار الإسرائيليون يقولون إن أوباما يكره إسرائيل وليس فقط نتنياهو. لن يكون هناك خط واضح في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، لكن لوحظ بعد فوز نتنياهو أن أوباما صرح فيما يتعلق بالمفاوضات مع إيران، بأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سيكون هناك تشديد للعقوبات، وأخرى جديدة، وكأنه اكتشف فجأة أنه ليس في البازار الإيراني، حيث في اللحظة الأخيرة عندما يرى البائع أن المشتري أدار ظهره وينوي مغادرة المحل يدعوه لدفع نصف السعر. المفاوضات الحالية ليست بازاراً، وإيران لن تعطي الرئيس الأميركي ما يرغب فيه حسب التوقيت الذي حدده.
ما تعول عليه إسرائيل هو كيف يمكن للإدارة أن تقاتل إسرائيل وتحمي حظوظ هيلاري كلينتون في معركة الرئاسة، وتعتقد إسرائيل بأن أوباما لا يمكنه تحقيق تهديداته لأنه خلال أشهر ستدخل كلينتون في سباق الرئاسة، فإذا بدأ الديمقراطيون وبطلب من الإدارة محاربة إسرائيل، تخسر كلينتون، لذلك ستطالبه بعدم تدمير حظوظها، خصوصاً أنه مغادر لسدة الرئاسة.
وحسب الاستطلاعات الأخيرة فإن الليكود سيكون مع المرشح الجمهوري جب بوش، واليسار الإسرائيلي مع كلينتون. أغلب الجمهوريين هنأوا نتنياهو، لكن أغلب يهود أميركا سيصوتون للمرشح الديمقراطي لأنه يعتبر من حزب الأقليات، ثم إن كلينتون، تعتمد عليهم ولن تخونهم. أيضا رغم كل التصريحات التي انطلقت من البيت الأبيض ضد نتنياهو، خصوصا دعوة دنيس ماكدونو الأمين العام للبيت الأبيض إسرائيل لإنهاء الاحتلال المستمر منذ أكثر من 50 عامًا، لا تصدق إسرائيل أن أوباما سيقلب أميركا ضدها!
الأوروبيون أنفسهم، كما يقول مرجع غربي، لن يستطيعوا التخلي عن إسرائيل، خصوصًا أن إيران بدأت بتصنيع صاروخ «سومار» الذي يبلغ مداه 2500 كلم، ويستطيع أن يطال النمسا وحدود إيطاليا، إذن هو موجه ضد أوروبا لتهديدها، فإيران لا تحتاج إلى هذه الصواريخ ضد إسرائيل أو ضد غيرها في المنطقة.
واسأل المرجع الغربي: ماذا عن الفلسطينيين الذين باتوا يشعرون بأن آمالهم تتحطم. يقول، وهو المتابع لنشأة إسرائيل، إن على العقلاء من الفلسطينيين أن يبدأوا بالتفكير على نمط ديفيد بن غوريون الذي قال: «إن البريطانيين هم الوحيدون القادرون على إعطائي دولة». لذلك تعامل معهم كما يريدون، وافق على أن يكون عميلاً لهم إلى درجة أنه أرسل شباناً للتطوع في صفوفهم، كان لديه هدف واحد هو الوصول إلى دولة.
يضيف محدثي: على الفلسطينيين التعامل مع حكومة إسرائيل فهي الوحيدة القادرة على إعطائهم دولة فلسطينية. وهذه الدولة أشير إليها في جميع المواثيق الدولية الموقعة. يؤكد أن إسرائيل وحدها تستطيع أن تعطي الفلسطينيين الدولة، لكن، كما يقول إن بن غورين جاء بعد هجرة ألفي سنة حسب التفكير اليهودي، وبعد الهولوكوست، وكان على استعداد أن يقبل بأي شيء لأنه كان يريد دولة، لم يهمه شيء، بينما لا يزال الفلسطينيون يفكرون بدحر التاريخ وإعادته إلى الوراء، وهذا قد يكون الفرق الساحق بين التفكيرين.
يضيف: «وعد بلفور» أشار أولاً إلى دولة، لكن أثناء النقاشات خفضوها إلى وطن قومي لليهود، الآن وبعدما قال نتنياهو إنه مع حل الدولتين، على الفلسطينيين أن يأخذوا هذا العرض بسرعة، إذ حتى «اتفاق أوسلو» يقول بالحكم الذاتي، ثم إن البريطانيين يؤمنون بمبدأ التفاوض «مع أعدائنا».
من ناحية ثانية، من المؤكد أن حكومة نتنياهو ستكون من المتدينين واليمين، وهي قد تستمر 4 سنوات إذ لديه تحالف من 67 نائبًا، ثم إن الأورثوذكس اليهود يهمهم المال، مقابله يعطون نتنياهو الحرية المطلقة، وكذلك حال الأحزاب التي تتمسك بالمستوطنات. أما موشيه كحلون رئيس حزب «كلنا»، ويطالب بحقيبة المالية، فيقولون عنه في الصحف الإسرائيلية إنه انتهازي، لكن الإنجاز الذي حققه في حياته أنه فتح سوق الهاتف الجوال للمنافسة بعدما ضرب الأسعار فانخفضت. الكل يذكر له هذا ويكنى بـ«مستر سِلفون».
وهناك استبعاد أن يأتي نفتالي بينيت وزيرًا للخارجية رغم أن هذا تردد، إذ يعرف نتنياهو أن كل هذه الأحزاب اليمينية الصغيرة لا تستطيع أن تكون في حكومة إلا في ظل رئاسته، لأنه لا يمكن لحزب العمال أو اليسار الإسرائيلي التحالف مع هؤلاء، ولدى نتنياهو القوة لمنع تشكيل أي حكومة أخرى، الفريق الآخر لا يستطيع عرقلته ومعه 67 نائبا. وفي الواقع السياسي سيترك نتنياهو اليمين يطالب بكل ما يرغب فيه، لأنه مع الوقت ستخف الطلبات وينخفض السقف.
أميركا مخضوضة، الفلسطينيون هائمون، العرب غارقون في المشكلات المزروعة، أما إيران فإن فوز نتنياهو سيقويها بالطريقة الغلط، وقد تسرع أكثر للحصول على السلاح النووي خصوصًا أن الأحلام بالنووي بدأت على زمن الشاه وإسرائيل ساندته، ولم يتردد علي يونسي بالكشف عن النيات الحقيقية، وهذه قناعات غير مرتبطة بالانتخابات الإسرائيلية، لأنه في رسمه لخريطة الإمبراطورية الفارسية الجديدة، وصل حتى مشارف الصين ولم يمر عبر إسرائيل.