قبل التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول إن احتمال التوقيع على الاتفاق هو بنسبة 50 في المائة، بعد التوقيع قال خامنئي المرشد الأعلى لإيران: «ليس واضحًا ما إذا كان هذا الاتفاق سيمر في إيران أو في أميركا».
يستند الاتفاق إلى أن يظهر الملالي في إيران حسن النية تجاه الغرب، لكنه بنظرهم يشكل خطرًا من احتمال أن يجذب الناس بعيدًا عن مسار الثورة الإسلامية. كذلك هناك سباق وصراع داخل إيران بين القيادة الإيرانية «الموحدة» وما تتوقعه في المستقبل، وبين 80 مليون إيراني؛ إذ إن هناك ثورة يجب أن تستمر ويتم تصديرها لتنتشر أكثر. وبمواقف استباقية، «هدد» المرشد النفوذ الأميركي في إيران؛ حيث قال يوم الثلاثاء قبل الماضي إنه حتى مع الاتفاق النووي الجديد «فسنمنع كل محاولات أميركا لاختراق إيران». يبدو أن كثيرا من القلق يدور حول «تسرب الثقافة الأميركية»، خصوصًا أن مطاعم الوجبات السريعة انتشرت فجأة، الأمر الذي دفع محمد رضا نقدي، قائد قوات التعبئة في الحرس الثوري، إلى القول: «اعتقدنا أنهم سيجلبون لنا تكنولوجيا الـ(بوينغ)، لكنهم يرغبون في أن يأتونا بـ(ماكدونالدز)».
الاتفاق، لا «يحظر على إيران بشكل دائم الحصول على السلاح النووي»، كما يقول الرئيس باراك أوباما، «ولا يقطع كل المسارات في وجه حصولها على القنبلة»، بل يعني أن الولايات المتحدة وافقت على أنه بعد 15 سنة أو ربما أقل، تستطيع إيران تصنيع القنابل النووية. ورغم أن الاتفاق يناسب إيران؛ حيث يضفي الشرعية على أبحاثها النووية، ويؤكد عودتها إلى برنامجها النووي في المستقبل، ويساعد اقتصادها، ويعزز أهدافها العدوانية، فإن له أثرًا على طول عمر النظام، فهو يحتوي على مشكلتين؛ الأولى: يخون رؤية الخميني (مؤسس الجمهورية الإسلامية) بالنسبة إلى العداء لأميركا، وهو المبدأ الأساسي الذي قاد الجمهورية الإسلامية منذ تأسست عام 1979. الثانية: يخشى المعارضون للاتفاق أن تجذب النزعة الاستهلاكية، والفردية، والنسوية، والتعدد الثقافي، رجال الأعمال، والطلاب، والفنانين، والشباب بشكل عام، فيقفزون من سفينة المقاومة و«الاستشهاد» التي يعمل النظام على حمايتها من الغرق.
ولإظهار أن النظام لم يتأثر بالاتفاق وملحقاته، كشفت إيران يوم السبت الماضي عن صاروخ «أرض – أرض» اسمه «فاتح 313» بمناسبة «يوم الصناعة العسكرية الإيرانية»، حيث قال العميد أمير علي حاجي زاده، رئيس قسم الفضاء في «الحرس الثوري»، إن إيران ستجري مناورة بالصواريخ الباليستية قريبًا، وأضاف: «اعتقد البعض خطأ أن إيران علقت برنامجها الصاروخي في العامين الماضيين، وأنها وقعت على اتفاق حول هذا البرنامج».
حسب الاتفاق النووي، فإن نقل تكنولوجيا الصواريخ الباليستية إلى إيران في السنوات الثماني المقبلة سيكون خاضعًا لموافقة مجلس الأمن، وقد وعدت أميركا باستخدام حق النقض ضد أي طلبات من هذا القبيل. قال حاجي زادة: «سنجري في المستقبل القريب اختبارًا لصاروخ باليستي جديد، وسيكون شوكة في عيون أعدائنا». أيضًا حسب الاتفاق، يمنع على إيران استيراد أو تصدير الأسلحة التقليدية لمدة 5 سنوات، غير أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قال بمناسبة الصاروخ الجديد، إنه لن يتبع أجزاء من الاتفاق النووي التي تحد من قدراته العسكرية: «سوف نشتري، ونبيع، ونطور، أي أسلحة نحتاجها، لن نطلب الإذن ولن نلتزم بأي قرار». وأضاف: «يمكننا التفاوض مع الدول الأخرى فقط عندما نكون أقوياء، وأي دولة لا تملك الاستقلال والقوة لا يمكن أن تسعى إلى السلام الحقيقي».
تريد إيران أن تثبت مرة أخرى أن القوة العسكرية شرط للسلام المسبق، وتركز الآن على «فتح حوار مع دول الخليج»! إنها تريد السلام من خلال الصواريخ، وهذه استراتيجية ترهيب الآخرين.
لإيران واحد من أكبر برامج الصواريخ في الشرق الأوسط، وهي تريد تصدير الأسلحة لـ«حلفائها» في المنطقة، واستيراد أنظمة مضادة للصواريخ لمنع أي هجوم محتمل من إسرائيل.. وأميركا.
في حديث إلى «بي بي سي» الأسبوع الماضي، سئلت معصومة ابتكار، نائبة روحاني، عما إذا كانت إيران ستستغل الـ150 مليار دولار – أموالها المستعادة – للازدهار الاقتصادي أم للاستمرار في دعم النظام السوري وحلفائها. أجابت: «هناك أكثر من مائة قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، والدفاع عن إيران يأتي في الأولوية».
وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان قال: «سنواصل مسار تصنيع الصواريخ الباليستية بأقصى سرعة وفقًا للاحتياجات الدفاعية لدينا التي تناسب التهديدات التي تنتظرنا».
من المعروف أن النظام الإيراني يقوّض سيادة الدول الأخرى، وصار بعد الاتفاق أكثر ثقة بدوره ومفهومه بأن الاعتداء يؤدي إلى «مكافأة». فإذا كان هذا الاتفاق حول السلام وتثبيته، فلماذا تريد إيران مزيدًا من الأسلحة والصواريخ؟ بعد وصوله إلى السلطة عام 1979، دعا قائد الثورة آية الله الخميني الشيعة العراقيين للثورة على النظام وإقامة جمهورية إسلامية، وكان الجهد الإيراني لتصدير الثورة إلى العراق أحد الأسباب التي أدت إلى الحرب العراقية - الإيرانية. وعلى الرغم من المقاومة الشديدة من الدول العربية، فإن الخميني نجح في تصديرها إلى لبنان، وتبعه خامنئي بإيصالها إلى غزة واليمن وسوريا والآن العراق.
وقال محمد رضا نقدي، من على شاشة «الميادين» (الموالية لإيران) الأسبوع الماضي: «هناك مستشارون إيرانيون يؤمنون الدعم لسوريا ولبنان والعراق (بطلب منهم)»، وإن المواجهة مع أميركا مستمرة من فلسطين إلى اليمن! وطالب بعض الدول العربية بـ«إعلان توبتها» للتعامل معها!
النظام الإيراني يفعل دائمًا ما يقول إنه سيفعله. عندما أطلق صرخة «الموت لأميركا» بين عامي 1978 و1979، بسبب دعم أميركا للشاه، أتبع ذلك بعملية إرهابية قام بها عماد مغنية (حزب الله) حيث قتل 241 جنديًا أميركيًا في بيروت في 23 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1983، وتعرف واشنطن أن إيران واصلت قتل الأميركيين في العراق وأفغانستان، ولم يظهر النظام حتى الآن أي خطط حول أنه سيصبح أقل تشددًا، أو أكثر ميلاً إلى الديمقراطية أو احترام حقوق الإنسان.
يريد الرئيس أوباما أن يحافظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، لكن بالسماح للنظام الإيراني القائم بالحصول على الأسلحة الحديثة والصواريخ العابرة للقارات والأسلحة النووية بعد 15 سنة، إنما يهيئ الظروف لصراع إقليمي أوسع، وإذا حدث ذلك، فهل ستكون أوروبا قادرة على استيعاب مزيد من المهاجرين الذين لا بد أن ينزحوا إليها كالجاري الآن.. وهذا من المؤكد سيحصل؟
في 10 أغسطس (آب) الحالي، قال علي سعيدي، ممثل خامنئي في الحرس الثوري: «ما دفع الغرب للتفاوض مع إيران، كان قوتها العسكرية وعمقها الاستراتيجي في المنطقة. الغرب لا يريد أن يكون لإيران عمق استراتيجي في اليمن أو نفوذ (روحاني) في اليمن، ولبنان، وغزة، والبحرين، وسوريا، والعمق الاستراتيجي هو عامل حاسم لإيران»، ثم قال: «مسألة الصواريخ الباليستية ومنشأة بارشين هما بين خطوط إيران الحمر».
أمام هذا الاتفاق وهذه المواقف الإيرانية المتشددة الصريحة، يضاف إليهما السياسة التوسعية لإيران التي تعد حزب الله في لبنان خط دفاعها الأول ضد إسرائيل، واليمن عمقها الاستراتيجي مع الدول الأخرى.. سيؤدي كل هذا إلى حرب كبرى في المنطقة؛ إذ لن يجلس السعوديون والأتراك والمصريون والإماراتيون يتفرجون. ليس هناك من دولة تريد أن تعيش تجربة سوريا أو العراق أو اليمن، كما أن إسرائيل لن تنتظر أن تمحى عن وجه الأرض.
أما بالنسبة للبنان، فالوضع أخطر؛ فتصريحات الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله التي أطلقها في طهران الأسبوع الماضي، تكشف عن كثير من الخطط المستقبلية. في طهران قدم كتابه «الولي المجدد» بنسخته الفارسية، وركز في حديثه مع صحيفة «كيهان العربي» (18 من الشهر الحالي) على أن «ولاية الفقيه هي نظرة إسلامية في القيادة والحكم وإدارة شؤون المجتمع، والولي الفقيه هو الأمين على تطبيق أحكام الإسلام (...) لقد قدمت أطروحة ولاية الفقيه تجربة رائدة في إيران تمثلت في نظام الحكم الإسلامي الذي يهتم بخيارات الشعب (...) وحماية البلد من التبعية الأجنبية، واصطفافه إلى جانب حركات التحرر والمقاومة».
إذن مع الاتفاق النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، تطرح إيران أين وصل عمقها الاستراتيجي، ويُبرز نعيم قاسم أهمية نظام ولاية الفقيه، في وقت يتأرجح فيه النظام اللبناني ويقف على كف عفريت.