هدى الحسيني
قبل يومين استؤنفت في فيينا المفاوضات ما بين الدول الغربية وإيران حول برنامجها النووي. لكن ما بين لوزان وفيينا سارت مياه كثيرة تحت الجسر الإيراني. إذ يوم السبت الماضي، أعلن جواد كريمي قدوسي (المعروف بعدائه لمحمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني) عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية أن مجلس الشورى يعد مشروع قرار بصفة مستعجلة لوقف المفاوضات النووية حتى إنهاء التهديدات الأميركية.
لا يُعرف متى جاءت هذه التهديدات؟! وكان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أشار إليها. هل وصلت إلى إيران عبر أقنية دبلوماسية سرية، أم إن دعم أميركا للسعودية في موقفها من اليمن اعتبرته إيران تهديدًا؟
ويوم الأربعاء قبل الماضي قال نائب الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي: «نرحب بالحرب مع أميركا فهي ليست بـ(القضية الكبيرة)». وكان سبقه في التهديد قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري حيث قال خلال احتفال في مدينة «سمنان» شمال إيران: «إن فخر وقوة إيران الإسلامية، جعلا أكبر القوى العسكرية في العالم تركع أمام الجمهورية الإسلامية». لكن مساء الاثنين الماضي قال عباس عراقجي مساعد وزير الخارجية الإيراني: «إن المملكة العربية السعودية تحاول عرقلة الاتفاق النووي بالتعاون مع الكونغرس الأميركي». ردًا على هذا، فإن المحادثات على مستوى كبار المحاورين والسياسيين والخبراء في فيينا نهاية الشهر الماضي، وعلى هامش مؤتمر معاهدة حظر الانتشار النووي في نيويورك الأسبوع الماضي، انتهت دون أي تقدم ملموس يمكن إضافته إلى ما تحقق في لوزان في 2 أبريل (نيسان) الماضي. النقاط الشائكة الرئيسية في هذه المرحلة هي هندسة المقاطعة وكيف يمكن إعادة تفعيلها إذا ما انتهكت إيران الاتفاق، والقيود التي ستبقى على التطور النووي الإيراني، ومشتريات التكنولوجيا في السنوات المقبلة، وضرورة المراقبة الشاملة على كل نشاط نووي مشتبه به داخل إيران بما في ذلك القواعد العسكرية التابعة للحرس الثوري.
من خلال الكثير من الخطب وآخرها في 6 مايو (أيار) الحالي، عبر المرشد الأعلى عن الكثير من التناقض فيما يتعلق بالإطار الذي تم التوصل إليه في لوزان. وشكك في إمكانية الوصول إلى اتفاق شامل، لكنه قال إنه «لا يعترض من حيث المبدأ على الاتفاق». في سياق السياسة الإيرانية الداخلية أكد خامنئي دعمه للفريق المفاوض برئاسة ظريف، فيما ظريف يتعرض لنيران المتشددين من داخل النظام حتى من قبل شخصيات تعتبر قريبة من خامنئي. إن الأصوات المعارضة لنشاط ظريف ما زالت تسمع خصوصًا في المجلس والصحافة المتشددة إثر البيان المشترك لظريف مع مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني في لوزان. لكن التوقف يجب أن يكون حول خطب خامنئي، منها خطابه الرئيسي في 9 من الشهر الماضي بمناسبة «عيد النووي الوطني». قراره بتأجيل ردة فعله على اتفاق لوزان، وكذلك لهجة خطابه لم يذهبا دون أن يلاحظهما أحد، لأنهما كشفا عن أن المرشد لديه تفكيران متناقضان.
من جهة كان واضحًا أنه لا يزال لا يثق بالولايات المتحدة ولديه تحفظات عميقة لاضطراره إلى التوصل إلى اتفاق معها، ومن ناحية أخرى يعترف بالفوائد التي سيجنيها نظامه من هكذا اتفاق، وأهمها الإبقاء على برنامج نووي ضخم مع هامش كبير للتوسع على المستوى الصناعي في المستقبل غير البعيد، وفي الوقت نفسه يزيد من قوة إيران داخليًا، حسب اعتقاده، ويقوي مكانتها، ويضاعف التجارة الاقتصادية على نطاق «لم يسبق له مثيل في تاريخ الجمهورية الإسلامية».
من جهة أخرى، كبح خطاب خامنئي هذا من مدى الحماسة داخل النظام ولدى الرأي العام التي ظهرت بعد أيام من انتهاء محادثات لوزان، إلى درجة أن القيادة الإيرانية بأكملها، بما فيها الرئيس حسن روحاني ورئيس منظمة الطاقة الإيرانية علي أكبر صالحي، التزمت بالإجماع التوجه الأساسي لخامنئي، وتعهدت أيضا بالتزام تعليماته. وعلى هذا الأساس عاد المفاوضون الإيرانيون إلى «المرحلة النهائية» للمحادثات كما هو مفترض، من خلال منظور اتخاذ موقف متشدد لرفع العقوبات فورًا، والاعتراض على المراقبة الدولية للمواقع العسكرية الحساسة، تزامنًا مع المبادئ التوجيهية لخامنئي. ولذلك، لم يثر الدهشة أن المفاوضين الإيرانيين أصروا على أن يكون رفع العقوبات فورًا على رأس جدول الأعمال في فيينا ونيويورك.
وكان خامنئي قال في خطابه: «يجب رفع العقوبات يوم إبرام الاتفاق، لأن رفع العقوبات كان الهدف من الأساس، وإذا كانت القوى العالمية تريد وضع شروط جديدة لرفعها، فهذا أمر غير مقبول على الإطلاق».
تهدف المفاوضات الآن بشكل مباشر إلى العمل عبر نقاط النزاع المتبقية، من أجل التوقيع على اتفاق شامل نهاية يونيو (حزيران) أو يوليو (تموز) المقبلين. ومن بين القضايا الرئيسية التي لم تحل بعد، طبيعة البنية التحتية للتخصيب الإيراني بموجب الاتفاق النهائي، والقيود المفروضة على «البحث والتطوير»، وإحكام التفتيش والرصد للوكالة الدولية للطاقة الذرية والإطار الزمني لرفع العقوبات.
حتى الآن، لم تقدم إيران الأدلة الكافية لإقناع الوكالة الذرية والمجتمع الدولي بأن برنامجها النووي محدد فقط بالشأن السلمي، كما أنها عاجزة عن شرح نشاطها العسكري السابق الذي يشير بوضوح إلى الجهود لتطوير أسلحة نووية.
بسبب ثناء خامنئي على روحاني وظريف بعد لوزان، قيّم روحاني بأن الحلول وُجدت للقضايا الرئيسية نتيجة النهج الدبلوماسي لحكومته بالنسبة إلى الجدل النووي، وهذا النهج قائم على «الفوز». يبدو روحاني مصرًا على تحقيق أهداف مزدوجة لصيانة البرنامج النووي، ولتقوية الاقتصاد الوطني، الذي يعتقد أنه صار في متناول اليد.
مثله يفعل ظريف حيث يصر على أن الصفقة مع الولايات المتحدة وأوروبا ستزيل كل العقوبات المرتبطة بالأسلحة النووية وقرارات مجلس الأمن، وانتقد «صحيفة الوقائع الأميركية» بعد لوزان التي قالت سيتم تعليق العقوبات وليس رفعها أو إلغاؤها، لأنه أشار إلى رفع فوري للعقوبات.
يبقى أن مجلس الشورى، الساحة الأكثر صخبًا وانتقادًا.
رغم دعوة رئيسه علي لاريجاني للهدوء، ظل بعض الأعضاء متشددين في مواقفهم. إذ انتقد منصور حقيقة بور البيان المشترك لظريف وموغيريني، وأنه سيتم دعوة ظريف إلى المجلس للمساءلة. إسماعيل كوثاري قال إن «أميركا حققت كل أهدافها، ولم تستطع إيران رفع العقوبات». ومن أشد المنتقدين كان جواد كريمي قدوسي الذي قال إن «خامنئي وبّخ ظريف بعد عودته من لوزان»، فرد الأخير بأن قدوسي كاذب. ومن هنا جاءت دعوة قدوسي إلى وقف المفاوضات، ما لم توقف أميركا تهديداتها. أما الجنرال علي جعفري، فقد دق على نقطة الضعف الأميركية، وبرأيه أن الولايات المتحدة استسلمت «أمام الإرادة السياسية الإيرانية». هذه الثقة المطلقة بالموقف الأميركي الموالي لكل «المناورات الإيرانية» سيدفع إيران إلى زيادة تحدياتها. إذ مساء الاثنين الماضي، وقبل البدء بوقف إطلاق النار في اليمن، انطلقت سفينة إيرانية، قالت طهران إنها محملة بالمساعدات، من بندر عباس باتجاه ميناء الحديدة في اليمن. وكأن إيران تريد أن تبقي أميركا رهينة لأطماعها، فقبل قمة كامب ديفيد مع دول مجلس التعاون الخليجي، احتار محسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام أي موقف يتخذه، وإن كان الموقفان عبّرا عن قلق إيران الأبعد من اتفاقية لوزان أو الاتفاقية النهائية – إذا أبرمت -. قال «أولا: الدرع الصاروخية في الخليج، خدعة أميركية كبرى، وستكون إيران من أشد المدافعين عن السعودية إذا ما تعرضت لعدوان» (ممن)؟ ثم دعا السعودية «إلى عدم الغرق كثيرًا في المستنقع اليمني».
التناقض في المواقف والتوتر الذي صار واضحًا جدًا يعكسه خامنئي نفسه. لكن يبقى أن أهم ما قاله ويؤكد النيات الإيرانية: ثمة مسألة أخرى لن نتفاوض حولها وهي الدعم الذي نقدمه لإخواننا المقاومين في الدول الأخرى.
ومع هذا، لا تزال الإدارة الأميركية تعتقد بأن الصفقة مع النظام الإيراني ستدفعه إلى تغيير مواقفه الأخرى كلها!