هل تنجح روسيا في احتواء أزماتها الداخلية

هل تنجح روسيا في احتواء أزماتها الداخلية؟

هل تنجح روسيا في احتواء أزماتها الداخلية؟

 تونس اليوم -

هل تنجح روسيا في احتواء أزماتها الداخلية

بقلم - هدى الحسيني

فاسيلي كيسليستين؛ النائب الشيوعي عن منطقة كورغان في جنوب روسيا، نصح في 9 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي الرئيس فلاديمير بوتين، وبعد أشهر قليلة من فوزه بولايته الأخيرة، بالاستقالة حتى يتجنب إطاحته بطريقة عنيفة. 
ويشهد بوتين انخفاضاً في مستويات الثقة به، بعدما وقّع على قانون يؤخر سن التقاعد للروس 5 سنوات. قال كيسليستين: «لا يحتاج بوتين الانتظار حتى جره بقدميه للتنحي. إننا من العمر نفسه؛ 66 عاماً، وهذه هديتي له».
في أعقاب التدخل الروسي في أوكرانيا عام 2014، شرعت الولايات المتحدة في سياسة ذات شقين: العقوبات، والعزلة، ضد روسيا. في ذلك الوقت توقع بعض المحللين الروس أنه سيكون من المستحيل عزل روسيا، بل إن من يقومون بذلك سيعزلون أنفسهم. وعلى الرغم من الضرر الاقتصادي الذي عانت منه روسيا: انهيار في الروبل، وركود في نمو الناتج المحلي الإجمالي، والاستبعاد من أسواق الائتمان الدولية، فإنها وسّعت صادراتها وعمقت التعاون مع الدول المنتجة للطاقة وغيرها من المقرضين لتمويل مشروعات البنية التحتية الطموحة في الداخل. أراد بوتين بهذا زرع عقلية «روسيا الحصينة» لتقوية الدعم السياسي المحلي له.
لكن، على الرغم من كل هذه المحاولات، يتعرض بوتين الآن إلى بعض من أشد التحديات التي تواجهه على طريق السلطة في روسيا، حيث يطالب الروس العاديون بنوع من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعرفون أنها موجودة خارج بلادهم.
إن الروس محبطون بشدة، وللمرة الأولى منذ ضم شبه جزيرة القرم، يعاني بوتين من تراجع في شعبيته يقترب من مستويات الأزمة، ومن المرجح أن يكون الدعم الفعلي له أقل بكثير من 50 في المائة، وهذا يُعد هشاً إلى حد كبير.
منذ ما يقرب من قرن والنساء الروسيات يتقاعدن في سن الخامسة والخمسين، والرجال في سن الستين، ويعتمدون على معاش حكومي هزيل ثابت لدفع تكاليف معيشتهم، لكن مع اتجاه صندوق المعاشات نحو الإفلاس، وغيره من الاحتياطات الحكومية اللازمة لتعزيز النفقات العسكرية وحماية الكرملين من الضغط الاقتصادي الغربي، رأى بوتين أنه لا بد من الإقدام على الخطوة غير السارة برفع سن التقاعد للجنسين 5 سنوات. وإذا عرفنا أن متوسط العمر المتوقع للرجال في روسيا هو نحو 67 عاماً، فإن كثيراً من الروس يجدون هذا الإجراء سخيفاً ومهيناً، والأكثر من ذلك؛ فإن الفقراء العاملين في المناطق الريفية والحضرية في منتصف العمر، سيكونون الأكثر تضرراً من التغيير، ثم إنهم هم الذين اعتمد عليهم بوتين أكثر من غيرهم في الانتخابات الأربعة السابقة، كما أن العمال الأكبر سناً يشعرون بالخوف لأن أصحاب العمل سيجدون الوسائل لتحييدهم جانباً لصالح بدائل أصغر سناً وبأقل تكلفة.
عام 2005 وعد بوتين شخصياً بأنه لن يلامس معاشات التقاعد «ما دام رئيساً»، إنما بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة في شهر مارس (آذار) الماضي أعلن دعمه خطة إصلاح نظام التقاعد، مؤكداً أنها سوف تمضي قدماً بحلول الصيف، ووافقته المؤسسة السياسية الروسية برمتها، فدفعت ثمناً سياسياً قاسياً مع خروج مزيد من المتظاهرين إلى الشوارع.
لعقدين من الزمن والروس يراقبون كيف تعامل الدولة الشخصيات المعارضة غير المنظمة؛ إما تضعهم في السجن مثل ألكسي نافالني المناهض للفساد، وإما بطرق أخرى. ويدرك الروس في الوقت نفسه أن أحزاب المعارضة تكذب؛ إن كانوا الشيوعيين، أو الليبراليين الذين ليسوا بليبراليين، أو «روسيا العادلة»، ويشعرون بأنهم كلهم موالون للكرملين.
هذا الغضب والإحباط تحولا إلى مفاجأة غير سارة لبوتين وحزبه الحاكم «روسيا المتحدة» في الانتخابات الإقليمية الشهر الماضي؛ إذ - باستثناء موسكو - شهد كثير من المناطق انزعاجاً واضحاً من حكام الحزب الحاكم الحاليين، وصبّت أصوات الاحتجاج في صناديق الشيوعيين والديمقراطيين الليبراليين، ومع الغش الواضح والتزوير الذي ارتكبته الدولة، أُجبرت في بعض المناطق على إلغاء كل الانتخابات وإعادة تحديد وقت لها.
كما لوحظ بعض علامات التذبذب في الانضباط داخل صفوف الدائرة الداخلية لبوتين. قبل اعتقاله الأخير (أطلق سراحه يوم الأحد الماضي ليعاد استدعاؤه الاثنين) نشر ألكسي نافالني فيديو على «يوتيوب» يهاجم فيه حارساً شخصياً سابقاً لبوتين عيّنه الأخير رئيساً لقوات الأمن الداخلي: فيكتور زولوتوف. أراد نافالني دق إسفين بين الجنود المخلصين والقادة الفاسدين، وادعى أن زولوتوف يعيش بشكل يتجاوز ما يسمح به راتبه المعلن رسمياً، وأنه وأتباعه يسرقون الأموال اللازمة لتوفير الطعام والسكن والمعدات للضباط والقوات تحت إمرته.
مزاعم الفساد ضد كبار المسؤولين الروس ليست بجديدة، لكن زولوتوف نشر رداً على ذلك فيديو رديئاً اتهم فيه نافالني بأنه عميل أجنبي، ودعاه إلى مبارزة وجهاً لوجه، كالنوع الذي كان يتواجه فيه ضباط ورؤساء روس في عصر بوشكين، واتهم نافالني بطموحات رئاسية. وقد أحرج هذا الرد بوتين.
حسب الدستور الروسي الذي يتردد بوتين في تعديله رسمياً، تحق له فترة رئاسية أخرى حتى عام 2024. بحلول ذلك الوقت يكون قد تجاوز السبعين، ومع ذلك، مثل الأسواق المالية، فإن الرأي العام الروسي السياسي يقفز إلى عدم اليقين، لذا، فإن السؤال عن عام 2024 صار محور الاهتمام في موسكو، وسوف يظهر أعضاء الدائرة الداخلية لبوتين أكثر وضوحاً في المناورة للوصول إلى المنصب. ومن شأن أي تلميح من بوتين لتسمية تابعه المخلص ديمتري ميدفيديف أن يفتح أبواباً من نشر الغسيل، والتحديات السياسية والقانونية، وليس من المستبعد لجوء البعض من منافسي ميدفيديف إلى اعتداءات جسدية. كل هذا من شأنه أن يؤثر على نظام «قيصر روسيا»؛ النظام الذي يعتمد عليه من أجل استمرار سلطته وبقائه على قيد الحياة السياسية.
أخيراً يواجه بوتين قيود الاقتصاد المتباطئ الذي من غير المحتمل أن يعطيه زخماً حتى لو كان يستطيع المناورة من تحت الضغوط الأميركية. المشكلة هي عدم وجود إصلاح هيكلي في الاقتصاد الروسي الذي لا يزال يعتمد على استخراج الموارد الطبيعية، لا سيما النفط والغاز. وعلاوة على ذلك، فإن الفساد المستشري على جميع مستويات الدولة يستنزف الموارد من الصناعات والاستثمارات الواعدة.
بالنسبة إلى الشباب، فإنهم يواجهون آفاقاً ضعيفة لإيجاد وظائف مع زيادة الإنتاجية وارتفاع الأجور، كما أن نظام التعليم صار متخلفاً إلى درجة أن كبار المسؤولين الروس يعترفون بأنه لم يتأثر بتقدم وتطور القرن الحادي والعشرين. لن يعفي بوتين الشعور الغامض عند الناس بأنه أنقذ البلاد من الفوضى في التسعينات بعد الحقبة السوفياتية، من الحكم على قيادته بالسؤال، خصوصاً من قبل الذين لا يزال مستقبلهم أمامهم: ما الذي فعلته لي في الآونة الأخيرة؟
إن مزيداً من الروس يطالبون بوظائف جيدة وخدمات حكومية عادلة وفعالة وبنية تحتية قريبة مما يعرفونه خارج روسيا. عندما يحصلون على أقل من ذلك بكثير، فإن غريزتهم الإنسانية الطبيعية، وحقهم الذي يمنحه لهم الدستور، سيدفعانهم إلى التظاهر والاحتجاج سواء في صناديق الاقتراع أو في الشوارع. حارب بوتين عزلة روسيا عن العالم، فإذا بشعبه يؤكد أنه الدليل الحي على أن العزلة عن العالم الأوسع وعن سياسة بلدهم، مستحيلة.
يبحث بوتين عن مخارج؛ يطالب أصدقاءه الأثرياء بإعادة ثرواتهم إلى البلاد، وتقدر بتريليون دولار. 
إذا أضفنا إلى مشكلات بوتين الداخلية، ما يعانيه من محاولة إقناع الدول الأوروبية بالوقوف إلى جانبه ضد الولايات المتحدة، والموافقة معه على إعادة بناء سوريا، وهي ترفض، فإنه يمكننا تصور - ولو جزئياً - المستنقع الذي أدخلت روسيا نفسها فيه؛ داخلياً وخارجياً.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تنجح روسيا في احتواء أزماتها الداخلية هل تنجح روسيا في احتواء أزماتها الداخلية



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:11 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان الخميس29 -10-2020

GMT 14:42 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

أفكار جديدة وملفتة لديكورات ربيع 2019

GMT 15:25 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

انتحار طالب داخل لجنة للثانوية العامة في الغربية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia