الصين تواجه أميركا بسياسة «السلام فوق كل اعتبار»

الصين تواجه أميركا بسياسة «السلام فوق كل اعتبار»

الصين تواجه أميركا بسياسة «السلام فوق كل اعتبار»

 تونس اليوم -

الصين تواجه أميركا بسياسة «السلام فوق كل اعتبار»

بقلم - هدى الحسيني

استراتيجية التنمية التي وضعها الرئيس الصيني شي جينبينغ التي تبلغ تكلفتها تريليون دولار، تلتف من قلب آسيا إلى جنوب المحيط الهادي وغرب أفريقيا وأميركا اللاتينية، إنها مبادرة «الحزام والطريق» التي تعتبرها الولايات المتحدة امتداداً للجهود التي يبذلها الحزب الشيوعي الصيني من أجل تقويض البنية الأمنية والاقتصادية للنظام الدولي، وتعتبر أن سخاء الصين المتنامي يأتي على حساب المؤسسات الدولية والنفوذ الأميركي. ولمواجهة هذه الاستراتيجية أعلنت أستراليا واليابان والولايات المتحدة تشكيل مبادرة استثمار ثلاثية للمساعدة في تلبية احتياجات البنية التحتية في المحيط الهندي، كما أوصى الكونغرس الأميركي بتشكيل صندوق لتقديم مساعدة ثنائية إضافية للبلدان «المستهدفة أو المعرضة لخطر الضغوط الاقتصادية أو الدبلوماسية الصينية».
يشرح لي المسؤول الكبير في الحزب الشيوعي الصيني في بيجينغ، أن مبادرة «الحزام والطريق» هي تطوير لـ«طريق الحرير» التي كانت قائمة قبل أكثر من ألف سنة. يقول: عام 2013 وأثناء إلقائه محاضرة في جامعة نزار باييف في كازاخستان طرح الرئيس شي مبادرة «الحزام الاقتصادي»، وكان هذا في سبتمبر (أيلول)، لكن في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه وأثناء زيارته إلى إندونيسيا طرح مبادرة «طريق الحرير البحرية»، وهكذا صار مشروع «الحزام والطريق»؛ الحزام برياً والطريق بحرية.
يقول: إن الصين أدخلت مضامين جديدة إلى «طريق الحرير»، فالمبادرة هي لربط الرغبات الدولية والعالمية لبناء مستقبل أفضل لتحقيق الازدهار الاقتصادي وربط «قلوب» الشعوب.
في الماضي كانت «طريق الحرير» سلمية وللتجارة، لكن حالياً يشهد الوضع العالمي تغيرات كبيرة ونزاعات، ويقول المسؤول الصيني: «لأننا نعارض الحروب فإننا نمد طريقاً، لكن يجب أن نصنع الظروف المواتية لبناء هذه الطريق». ليست الصين وحدها في هذه المبادرة التي تعتمد على ثلاثة مبادئ: التشاور والتقاسم والتشارك؛ «ولهذا؛ وقّعت الصين مذكرات تفاهم كثيرة مع دول أخرى، ولقيت المبادرة إقبالاً لدى الدول المطلة على (الطريق والحزام)، وحتى خارجها مثل بريطانيا، حيث بدأ القطار المحمل بالبضائع يصل، كما شاركت في البنك الآسيوي لبناء البنية الأساسية».
يضيف المسؤول الشيوعي: إن منطقة الشرق الأوسط ومنطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا ركائز كبيرة بالنسبة إلى تنفيذ المبادرة. يصرّ على أن الصين لا تبني وحدها هذا المبادرة، بل توقّع مذكرات تفاهم وتدرس كيفية ترجمة الرغبة إلى الواقع.
ينفي تهمة أن العمال دائماً صينيون، «نحن نبني سوية إنما لدى الصين ميزات في عمال متخصصين في التكنولوجيا أو الدراسات المالية، ولو استخدمنا فقط عمالاً صينيين ننفي أن مبادرة (الحزام والطريق) هي للازدهار المتبادل والتقارب المشترك، ولو كانت الصين وحدها المستفيدة فلن نجد دولة تقبل بهذه المبادرة. لكن لا يمكن أن نتكبد الخسائر الكبيرة».
يقول إن الصين تفكر أن تبني في المستقبل طرقاً عدة باتجاهات مختلفة، وربما 5 أو 6 أحزمة، وتهدف لاحقاً إلى ربط هذه الطرق والأحزمة. يشير إلى أن الكويت كانت أول دولة عربية وقّعت مذكرة تفاهم مع الصين، وهناك الآن 13 دولة. ورداً على سؤال عما إذا كانت المشروعات الصينية في إيران ضمن مشروع «الحزام والطريق» أم أنها مشروعات نفطية فقط؟ أجاب بأن إيران دولة مهمة جداً لبناء «الحزام والطريق»، وكذلك السعودية وتركيا.
لكن ماذا عن القلق الأميركي؟
يجيب: ربما أميركا تتخوف من ازدهار الصين ونهوضها، وخصوصاً من العلاقات المميزة بين الصين ودول أخرى وربما يرجع هذا الخوف كونها تقارن مبادرة «الحزام والطريق» مع «مشروع مارشال». إنها ترى الصين تكسب قوة ونفوذاً في العالم، لكن... هناك سوء تفاهم؛ لأن الصين لا ترغب في ملء الفراغ الجيوسياسي، ولا تسعى وراء النفوذ، «نحن في الصين نضع السلام فوق كل اعتبار ولا نتدخل في الشؤون الداخلية. لقد عانت الصين من الحروب والغزو؛ لذلك نحن نعارضها ولا نسعى وراء قوة سياسية».
أسأل: لكن أميركا تخوفت كثيراً عندما أخذتم ميناء في جيبوتي؛ إذ تتوقع أن يتحول إلى ميناء عسكري؟ يجيب: لأميركا قواعد في كل مكان، فكيف تخاف من الدول الأخرى. نحن من الدول النامية وليست لدينا أي رغبة عسكرية في الخروج. لدينا بعض السفن الحربية التي تمر في خليج عدن إنما لحماية السفن التجارية. المشكلة أن الولايات المتحدة تنظر إلى الصين ليس كشريك إنما كمنافس في المستقبل. لكن نحن نركز جهودنا على تنميتنا».
في لندن يقول لي سياسي بريطاني: إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لديه استراتيجيتان سيعمل على تحقيقهما في فترة حكمه التي قد تستمر بعد 6 سنوات. يريد التعاون والتصادم مع الصين، وسنشهد هذا في السنتين المقبلتين، كما يريد تحقيق الانتصار على إيران. يريد ترمب خلال رئاسته تحقيق صفقة مع الصين والانتصار على إيران.
أما في الصين، ومع التركيز على مبادرة «الحزام والطريق» فإنهم يفكرون بأهداف واقعية لهذه المبادرة؛ لأنها أولاً تعد بدمج الأسواق الداخلية للصين مع أسواق جيرانها، وعبرها تقرب الجيران أكثر إلى المفهوم الجيوسياسي للصين، وتجلب استقراراً للمنطقة. ومن خلال زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق الحدودية للصين مثل شينجيانغ والتيبت، فإن مبادرة «الحزام والطريق» ستقلل من الجاذبية التي تقدمها الآيديولوجيا الانفصالية للسكان. ثم هناك فائدة أخرى متوقعة وهي أمن الطاقة الذي سيأتي من خلال بناء طرق النقل الممولة من مبادرة «الحزام والطريق»، ثم إن هذه المبادرة تؤدي إلى تنمية مشتركة تتفوق على سياسات القوة. ويرى محللون صينيون أن مجتمع المصير المشترك يفيد الصين بشكل كبير.
المبادرة عمرها 5 سنوات ولا يمكن الحكم على نتائجها بالكامل. ولم تحقق المليارات التي أنفقت في بلدان كثيرة عوائد للمستثمرين، لكن هل يسعى المسؤولون الصينيون للحصول على عائد مالي من مبادرة «الحزام والطريق»؟ غالباً ما تكون قرارات الاستثمار مدفوعة بالاحتياجات الجيوسياسية بدلاً من الحس المالي، وهذا واضح في الاستثمارات في جنوب وجنوب شرقي آسيا، حيث تنمية الموانئ باهظة الثمن، ثم إن مشروعات ميناء المحيط الهندي الممولة من خلال مبادرة «الحزام والطريق» لا أمل لديها في النجاح المالي.
أسأل محدثي المسؤول الكبير في الحزب الشيوعي الصيني، بأن مشروعات مبادرة «الحزام والطريق» تكلفكم الأموال الطائلة، فكيف ستستردونها لاحقاً؟ يجيب: «نحن في الصين لدينا احتياطي مالي ضخم من العملة الصعبة، وبالتالي لا يمكن أن نخسر كثيراً». وينهي: في المستقبل سنفتح أبواب الصين أكثر؛ إذ لدينا قدرة إنتاج كبيرة، يجب أن نخرج من الصين إلى العالم؛ هذا يفيد الدول الأخرى كما يفيدنا، فلماذا لا نفعل؟ هل فقط لأن هذا يرعب أميركا؟

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصين تواجه أميركا بسياسة «السلام فوق كل اعتبار» الصين تواجه أميركا بسياسة «السلام فوق كل اعتبار»



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:21 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي الخميس 29-10-2020

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 08:29 2021 الجمعة ,07 أيار / مايو

مسلسل ''حرقة'' أفضل دراما رمضانية في تونس

GMT 05:48 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

اكتشاف تقنية جديدة تساعد في إنقاص الوزن الزائد

GMT 05:31 2016 السبت ,26 آذار/ مارس

البردقوش فوائده واستخدامه

GMT 00:15 2016 الثلاثاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد الشطة لعلاج مرض الصدفية

GMT 10:54 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ندوة عن القبول في جامعات الولايات المتحدة في "أميركية دبي"

GMT 09:15 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أيتام «داعش» مَنْ يعينهم؟

GMT 18:04 2021 الإثنين ,29 آذار/ مارس

أخبار من اميركا وعمليات إطلاق النار فيها

GMT 04:00 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موصفات سيارة كايلي جينر الرولز-رويسمن طراز Wraith
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia