كابل سياسياً معطلة. حركة «طالبان» تتقدم وبشراسة على عدة جبهات، ويستمر محصول الأفيون في تمويل شبكات الإرهاب والإجرام في العالم.
إذا سقطت أفغانستان تحولت إلى مشكلة إرهابية جديدة سيواجهها العالم. منذ أشهر عرض الجنرالات الأميركيون على الرئيس الأميركي دونالد ترمب زيادة عدد القوات الأميركية هناك بما لا يقل عن 5 آلاف جندي. يبدو أنه رفض. بنظره كل الأساليب القديمة فشلت، خصوصاً أن الولايات المتحدة أنفقت ما يقارب 718 مليار دولار على حرب تستمر في خسارتها. عدد القوات الأميركية الآن في أفغانستان يقارب 8400 جندي في حين كان العدد مائة ألف جندي عام 2011.
تعاني أفغانستان من عودة «طالبان» بزخم. أما الحكومة فإنها تعاني من الإحساس بالضعف. كابل العاصمة تفقد ببطء قبضتها على البلاد. السلطات الأفغانية تسيطر على 52 في المائة من الأراضي، قبل عامين كانت تسيطر على 72 في المائة. ومن سبتمبر (أيلول) الماضي حتى مارس (آذار) من هذا العام فقدت الدولة السيطرة على 15 في المائة من أراضيها، وتخضع معظم الولايات الأخرى لحصار «طالبان» في حين يُقتل أسبوعياً من الجيش النظامي ما يقرب من 500 عنصر. يشير كل هذا إلى أن الحكومة في طريقها إلى درب مسدود في كابل، فالتحديات الأمنية والإنمائية التي تواجه أفغانستان شاقة ويتطلب التعامل معها جهوداً منسقة وممولة تمويلاً جيداً من الحكومة، لكن لا يبدو في الأفق أي أمل.
لا تزال حكومة الرئيس أشرف غني والرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله، المتنافسين الرئاسيين عام 2014، تهيمن على السياسة الأفغانية. هما قررا الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية لتجنب أزمة سياسية قصيرة الأمد، فإذا بهما يزرعان بذور أزمة طويلة الأجل بتقويض الدستور الأفغاني الهش. السياسة في أفغانستان منذ 2014 تلعب في ساحتها زمر حزبية مهمتها حماية مصالحها، أفقها ضيق في ظل خلفية من الفساد المستشري.
إنها بيئة مريضة، ويبدو أن أي أمل في تغيير الوضع مع الانتخابات البرلمانية العام المقبل، أو الانتخابات الرئاسية في عام 2019 يبقى خافتاً بالنظر إلى التقليص المتزايد في الأراضي الواقعة تحت سيطرة كابل، وإذا استمرت الأحداث على هذه الوتيرة فقد لا تكون هناك دولة باقية بحلول موعد الانتخابات عام 2018.
اجتماعات عسكرية وأمنية ورئاسية أميركية تدور حول أفغانستان في واشنطن، كلها تتطلع إلى أن يبقي الرئيس ترمب على الأقل على التحرك الأميركي القائم في أفغانستان. يرون بهذا، الخيار الأكثر أمناً حتى لو لم يكن الأكثر فعالية. ومثلما هي الحال بالنسبة إلى كوريا الشمالية، فإن أفغانستان معضلة أمنية مستعصية، وعلى إدارة ترمب إيجاد وسيلة للخروج منها. يقول لي مصدر أميركي: قد يختار الرئيس خط الأمان بالالتزام بالمنطق السائد؛ الحفاظ على تدفق الأموال وزيادة عدد القوات الأميركية على الأرض. وأفضل ما يمكن أن يتوقعه من هذا الموقف هو إيقاف خسارة الأراضي، لكنه لن يعكس مسار الحرب الأهلية ولن يجتاح «طالبان».
يضيف محدثي: أن أفغانستان تمثل فشلاً واضحاً للسياسة الأميركية. الرئيس ترمب لا يريد تحمل مسؤوليتها، في النهاية هو رئيس من خارج المؤسسة وطرح نفسه على أنه يريد تجفيف المستنقع وإزالة الدهون من السياسة الأميركية على الصعيدين المحلي والخارجي، وبالتالي ليس مستغرباً أن تصبح أفغانستان نقطة الخلاف بينه وبين الجنرالات الذين يشيد بهم.
تقول التقارير الصحافية الأميركية إن الرئيس اقترح إقالة الجنرال جون نيكلسون (أعلى قائد عسكري في أفغانستان) ووصول الشركات الأميركية إلى بعض منابع الثروات المعدنية هناك. ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الإدارة تدرس تقليص التزام الولايات المتحدة، وخفض الخسائر «في أطول حرب في تاريخ أميركا»
لكن من شأن تقليص الدعم المالي والعسكري الأميركي لكابل أن يقرب نهاية الحكومة المدنية، إذ ستغرق البلاد بشكل أعمق في الحرب الأهلية، وسيتدخل الرعاة من الخارج مثل باكستان والهند وروسيا والولايات المتحدة لصالح وكلائهم المختارين، وسيصبح وضع أفغانستان شبيهاً بالحرب الأهلية السورية مع احتمالين محتملين؛ جمود دائم ناجم عن الصراعات فيؤدي إلى اشتباكات خليط من المذاهب الطائفية، أو الانتصار الكامل لحركة «طالبان» واستئنافها الحكم الإسلامي الطابع الذي كانت بدأته قبل 2001.
ما يثير الاهتمام هو تقارير صدرت مؤخراً عن اجتماع زعماء الطاجيك والهازارا مع أمير الحرب الأوزبكي ونائب الرئيس الحالي رشيد دوستم، الذي «فر» إلى تركيا بحجة العلاج بعد مشاكل مع أحد حراسه. وصدر عن المجتمعين بيان جاء فيه أنهم يسعون إلى تشكيل «ائتلاف لإنقاذ أفغانستان». يذكّر هذا الاسم باسم «الجبهة الإسلامية المتحدة لإنقاذ أفغانستان» وكانت انطلقت عندما التقت مجموعات عرقية لتشكيل التحالف الشمالي ضد «طالبان» وتزعمه أحمد شاه مسعود. الاجتماع الأخير الذي عقد في تركيا قد يكون سعى إلى تشكيل حركة معارضة ضمن السياق السياسي الحالي وشلل الحكومة، أو أنه يحاول أن يرسي الأسس لتحالف جديد من عدة قوميات في حال انسحبت أميركا وعادت الأعمال العدائية بين الجماعات الطائفية في أفغانستان.
يقول محدثي: يصعب أن نلوم إدارة ترمب إذا فكرت في الانسحاب. الرئيس يرى أن لا علاقة له بالوصول إلى هذه النقطة، لكنه سيرث لوماً كبيراً إذا اختار أن يخفض وبشكل جذري التدخل الأميركي في أفغانستان، لذا يتعين عليه أن يقرر سياسته الأفغانية في ظل صخب طالبان. يضيف: بعد أي قرار سيتخذه ترمب، ستصبح هذه حربه. الرئيس جورج دبليو بوش زرع، والرئيسان باراك أوباما ودونالد ترمب من بعده سيحصدان.
إذا اختار الرئيس ترمب الانسحاب فإن المغادرة ستبدأ قريباً جداً، لأن ترمب ما يزال رئيساً جديداً بحيث يلوم الذين سبقوه.
مسؤول أميركي قال لوكالة «رويترز»، رغم تردد ترمب قد يأمر بزيادة القوات، فهذا الخيار الأقل سوءاً، ويمكن أن يأمر بالانسحاب الكامل، وتردد أن وزير الدفاع جيمس ماتيس، رغم أن ترمب أعطاه السلطة المطلقة ليزيد عدد القوات في أفغانستان لا يريد القيام بذلك من دون الرئيس. وقال السيناتور جون ماكين مؤخراً: إذا لم يصدر البيت الأبيض استراتيجيته الشهر المقبل، فإنه سوف يشرّع حلاً عن طريق قانون ميزانية الدفاع السنوية. «إن ثماني سنوات من اللااستراتيجية في أفغانستان كلفتنا حياة وأموالاً. قواتنا تستحق الأفضل».
لكن «طالبان» ليسوا في مزاج للمفاوضات. ومن أسباب إخفاقات السياسة الأميركية في أفغانستان، الاستراتيجية والنيات. حاول الرئيس السابق أوباما زيادة الضغط على «طالبان» لأضعافهم ودفعهم إلى طاولة المفاوضات، ومن المؤكد حسب محدثي، أن الرئيس ترمب يتلقى التقارير نفسها.
لكن لا نفوذ لأميركا على «طالبان» وهم يتوسعون ويتقدمون، لذلك ينبغي زيادة عدد القوات الأميركية كي تصبح «طالبان» أكثر ميلاً للتفاوض. لكن «المشكلة الوحيدة أن طالبان لم يأتوا إلى طاولة المفاوضات، والاحتمالات أقل أن يأتوا اليوم». ليس التفوق العسكري الذي سيمنع «طالبان» من التفاوض، فالحركة تطالب دائماً بالانسحاب الكامل لجميع قوات «الناتو»، وهذا الطلب لا يشكل نقطة لبدء التفاوض بنظر الأميركيين. هناك أيضاً مسألة إدماج «طالبان» في العملية السياسية، ويصر قادة الحركة منذ البداية على ضمانات لحكم الشريعة في الدستور الأفغاني، ثم إن إدماج سياسيين من «طالبان» في النظام الحالي سيكون بمثابة كابوس، كما يتضح من أداء حكومة الوحدة الوطنية الحالية. أيضاً تواجه «طالبان» تحديات من مجموعات على ارتباط بتنظيم داعش، لذلك مع انتصارات الحركة في ساحة المعركة الأفغانية الآن، فمن المستبعد أن تتخلى قيادتها عن آيديولوجيتها المتشددة أمام المناوئين المتشددين «داعش» وتقبل بتعزيز عملية السلام مع كابل وحلفائها في حلف شمال الأطلسي.
هل أفغانستان دولة فاشلة؟ نعم. هل هي قضية فاشلة ويجب التخلي عنها، كلا. لن تنجح مقولة «أميركا أولاً»، إذا فشلت السياسة الأميركية في كل البؤر المشتعلة في العالم.