ربيع الجهل العربي

ربيع الجهل العربي!

ربيع الجهل العربي!

 تونس اليوم -

ربيع الجهل العربي

طارق الحميد

نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» قبل أيام قصة مهمة عن جريمة بشعة تمثلت في إحراق «مكتبة السائح» في طرابلس اللبنانية، وهي جريمة، بحسب القصة المنشورة، «لم تشهد لها طرابلس مثيلا حتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية». وملخص القصة لمن لم يتابعها أن صاحب «مكتبة السائح» الكاهن الأرثوذكسي إبراهيم سروج اتهم زورا بكتابة مقال فيه إساءة للإسلام، وهو ما لم يفعله بالطبع، وعلى أثر ذلك الاتهام جرى إحراق مكتبته التي تضم 85 ألف كتاب ومخطوطة ومنشورات بعضها نادر، ومنه ما يعود إلى مائة عام مضت! هذه القصة وحدها تدفع إلى طرح عدة تساؤلات، أهمها هو: إلى متى هذه السيولة الثورية المنفلتة من عقالها في منطقتنا؟ وإلى متى مسلسل استهداف الآخرين، أقليات كانوا أو من طوائف وأديان أخرى؟ فالحمية للأديان، والرموز، لا تعني إزهاق الأرواح، وحرق الممتلكات، ومن هنا لا بد من وقفة صارمة تجاه ردود الفعل المتطرفة ردا على أي تطرف، فلمصلحة من تحرق المكتبات في عملية إحراق المعرفة، وتدمير لكل طرق المستقبل المعتمدة على جسور التاريخ الذي يراد إحراقه من خلال إحراق «مكتبة السائح»؟ والمحزن في هذه القصة هو ما تعرض له مالك المكتبة، من ضغوط، وترويع، دفعه للتواري عن الأنظار بحثا عن مأمن إلى أن جرت تبرئته من المقال المنسوب إليه زورا، حيث ظهر الأب سروج إلى جوار رئيس هيئة العلماء المسلمين في طرابلس سالم الرافعي الذي قال معلقا على ما جرى بحق الكاهن الأرثوذكسي: «تبينت لنا مظلومية الأب سروج.. والله حرم علينا اتهام الناس دون وجه حق، وهناك من يريد أن يزرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين»! وهذا هو الصحيح «حرام علينا اتهام الناس دون وجه حق»، وحرام هذا التطرف ولو كان ردا على تطرف، سواء كان حقيقة أو تزويرا مثل قصة الأب سروج الذي قال: «أسامح الذين أحرقوا المكتبة، وأصلي لكي يحمي الله طرابلس». والقصة هذه، ورغم فداحة جريمتها الأخلاقية والقانونية، هي مؤشر خطير على استمرار سعي من يحاول تأجيج الفتنة الطائفية بالمنطقة استغلالا للظروف السياسية، خصوصا عندما نتأمل ما يحدث، مثلا، بحق المسيحيين في العراق أو لبنان أو سوريا، فمن الواضح أن هناك من يقوم بعملية تأجيج منظمة هدفها تصوير السنّة على أنهم أعداء للطوائف المخالفة لهم، والأديان الأخرى، وأن إيران، وهذا ما يجري الترويج له الآن، وخصوصا بعد الاتفاق الأميركي الإيراني حول الملف النووي، هي أكثر من يستطيع القيام بدور حماية الأقليات، وأصحاب الأديان الأخرى، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان، وهذا هو الحلم الإيراني، ومسرح النفوذ الذي تخطط له طهران منذ زمان بعيد. وعليه فإن السؤال هنا هو: متى يقف العقلاء موقفا حازما من ربيع الجهل العربي، خصوصا أن الثمن سيكون فادحا أخلاقيا، وأمنيا، واجتماعيا، وسياسيا بالطبع؟  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ربيع الجهل العربي ربيع الجهل العربي



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia