بقلم : عبد الباري عطوان
لأنّ مِقعَدًا، أو اثنين يُكسِبهُما أو يَخسَرهُما بنيامين نِتنياهو وحزبه يُحدّدان مصيره في انتِخابات الكنيست التي ستجري بعد غدٍ الثّلاثاء، فإنّه يستميت حاليًّا في استِخدام “سحره” للتَّودُّد إلى بعض العرب، سواءً في الجزيرة العربيّة والخليج تحديدًا، أو في داخِل الأراضي العربيّة المُحتلّة عام 1948 لتحسين حُظوظه الانتخابيّة والبقاء في السّلطة وتجنّب السّجن.
نِتنياهو خبيرٌ في خِداع العرب وشقّ صُفوفهم، بالتّرغيب أو بالتّرهيب، ومن المُؤسف أنّه حقّق نجاحات ملموسة في هذا الإطار، أوّلها شقّ المُعسكر العربيّ الفِلسطينيّ في الدّاخل، وشِراء ذمم بعض القِيادات، خاصّةً في الحركة الإسلاميّة الجنوبيّة، من خِلال وعود بتحسين ظُروف قاعدتهم الانتخابيّة المعيشيّة، وثانيها شق المُعسكر العربيّ في الخارج بالإيقاع بعدّة دول مِثل الإمارات والبحرين والسودان في مِصيدة “سلام إبراهام” المجّاني، ويُركّز أنظاره الآن على المملكة العربيّة السعوديّة “السّمكة” الأكبر والأدسَم.
اتّفاقات “سلام إبراهام” والمهرجانات التي أقيمت في حديقة البيت الأبيض احتفالًا بتوقيعها لم تُنقِذ دونالد ترامب من الخُروج مَطرودًا ومُهانًا من الأبواب الخلفيّة للبيت الأبيض، ولا نَعرِف ما إذا كانت ستُنقِذ حليفه نِتنياهو في انتخابات بعد غدٍ الثّلاثاء، حيث يُواجه 10 كُتل انتخابيّة تتوحّد لإسقاطه، وآلاف المُحتدّين يتظاهرون يوميًّا أمام مقرّه ويُطالبون برحيله.
***
لا يُمكن أن ننسى فيديو سجّلته وبثّته إحدى النّاشطات الإسرائيليّات المُعارضات لنِتنياهو وهاجمت فيه بلهجةٍ فِلسطينيّةٍ عاميّة العرب بالدّاخل والخارج الذين يُوفّرون فُرص الفوز لنِتنياهو ويَفرِشون له السجّاد الأحمر في مُدنهم (الناصرة) أو في عواصم عربيّة، وتقول فيه بحُرقةٍ “والله عيب عليكم، إذا كُنتم تَعرِفون العيب، نحن نتظاهر لإسقاط هذا الفاسد وأنتم تُقدّمون له طوق النّجاة، بعد كُل ما ألحق بِكُم من أضرارٍ وحُروب”.
للأسف ما قالته هذه السيّدة صحيح في مُعظمه، فبعض العرب لا يَعرِفون العيب للأسف، وتخلّوا عن قيم عُروبتهم وإسلامهم، وباتوا يتباهون بعُلاقاتهم “الحميمة” مع نِتنياهو ودولة الاحتِلال، ويُؤسِّسون صناديق استِثمار بعشرات المِليارات لدعم الاقتصاد الإسرائيلي، بينما مُواطنون عرب في اليمن والأردن والعِراق ولبنان والمغرب الأقصى يتضوّرون جُوعًا، ويعيشون على وجبةٍ واحدة في اليوم، ولا يملكون ثمن لقاح الكورونا الذي يَفتِك بهم في ظِل غِياب شبه كامل للرّعاية الصحيّة في بُلدانهم.
نِتنياهو الذي يتعلّق حاليًّا بحِبال النّجاة تَجَنُّبًا للسّقوط في وَحلِ الهزيمة، يعتمد على آخِر ورقتين في جُعبته:
الأولى: تقديم وعود للنّاخب الإسرائيلي بفتح خطّ طيران مُباشر بين تل أبيب ومكّة إذا ما فاز تكتّله في الانتِخابات واستمرّ بالتّالي كرئيس للوزراء، ويُبشّرهم بأنّ اتّفاقات تطبيع باتت جاهزة مع أربع دول.
الثّانية: التّحالف، وإضفاء الشرعيّة بالتّالي على حزب “قوّة يهوديّة” المُتطرّف الذي يتَزعّمه المحامي إيتمار بن غفير ويُطالب بضم الضفّة الغربيّة، وطرد جميع الفِلسطينيين العرب فيها إلى الأردن، باعتِباره الوطن البديل، فهذا الحزب يَسْتَلهِم أيديولوجيّته العُنصريّة هذه من أدبيّات حزب كاخ الذي يتزعّمه الحاخام مائير كاهانا، وبات حزب الليكود الحاضنة له، والسّلّم الذي سيُوصِله إلى الكنيست.
في ظِل تسويق “سلام ابراهام” بغَزارةٍ هذه الأيّام، وانتشار “أيديولوجيّة” “الإخاء اليهودي الإسلامي” الرّائجة حاليًّا في الجزيرة العربيّة ليس هُناك أيّ تفسير واحد لدينا لـ “وعد نِتنياهو” للإسرائيليين بفتح خط طيران مُباشر بين مكّة وتل أبيب، غير العودة إلى أرض الأجداد في مكّة وخيبر، واقتِسام الأماكن المُقدّسة فيها مثلما جرى للحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وربّما التّهويد الكامِل لها مثلما حصل، ويَحصُل حاليًّا لمدينة القُدس المُحتلّة.
***
مِن المُؤلم أنّه لم يَصدُر عن المملكة العربيّة السعوديّة حتّى كتابة هذه السّطور أيّ تكذيب لوعد نِتنياهو هذا، ولا عن الدّول الأربع التي قال إنّ تطبيع العُلاقات معها باتَ جاهِزًا وقد يتم الإعلان عنه فور انتِهاء الانتِخابات، صحيح أنّه رجلٌ يَحتَرِف الكذب والخِداع، ولكنّ شُكوكنا حول ما اعتقدنا أنّها كانت أكاذيب بشأن مشاريع تطبيع وتعاون وفتح سِفارات تبيّن صِدقها لاحِقًا للأسَف.
وربّما يجب التّذكير في هذه العُجالة، بأنّ الوِصاية الهاشميّة على الأماكن المُقدّسة، مسيحيّة أو إسلاميّة، في القُدس المُحتلّة “تآكلت” في عصر نِتنياهو وتبَخّرت، ومعها اتّفاقات وادي عربة التي نصّت عليها، وشاهدنا الأمير الحسين بن عبد الله وليّ عهد الأردن يُمنَع من الصّلاة في المسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج تحت أعذار أمنيّة واهية، ونخشى أن نرى تَقاسُمًا للوِصاية على الحرمين الشّريفين في مكّة المكرّمة والحرم النّبوي في المدينة المنوّرة، على أرضيّة “سلام إبراهام”، النّغمة الدّارجة حاليًّا في الجزيرة العربيّة والمغرب العربي والإسلامي.. واللُه أعلم.