لماذا قد تخرج تركيا وإيران الرّابح الأكبر من هزيمة ترامب والفوضى الأمريكيّة المُتوقّعة

لماذا قد تخرج تركيا وإيران الرّابح الأكبر من هزيمة ترامب والفوضى الأمريكيّة المُتوقّعة؟

لماذا قد تخرج تركيا وإيران الرّابح الأكبر من هزيمة ترامب والفوضى الأمريكيّة المُتوقّعة؟

 تونس اليوم -

لماذا قد تخرج تركيا وإيران الرّابح الأكبر من هزيمة ترامب والفوضى الأمريكيّة المُتوقّعة

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

أدقّ توصيفٍ لوضع الرئيس دونالد ترامب الرّاهن هو الذي يُشبّهه بالصّبي البلطجي، الذي يُهدّد أقرانه “إمّا أن أكون الكابتن وإلا فإنّني سأخرّب اللّعبة”، ويبدو أنّه نجح في وضع بلاده أمريكا على طريق الخراب فِعلًا، بغضّ النّظر عن نتيجة الانتخابات، فالشّرخ الرّاسي المُتفاقم في الاتّساع حاليًّا، بات يَصعُب على أيّ رئيس أمريكي عِلاجه أو تجسيره، فقد اتّسع الخرق على الرّاقع.
مُعظم الأنباء تتحدّث عن تقدّم المُرشّح الديمقراطي جو بايدن في الولايات المُتأرجحة، وأنّ حُصوله على 270 نقطة المطلوبة للفوز باتت مسألة وقت فقط، حتى أنّ خصمه الرئيس ترامب اعترف بالهزيمة في المُؤتمر الصّحافي الذي عقده مساء أمس، عندما أعلن أنّه فاز، وأنّ هذا الفوز “سُرِقَ منه” وتمسّك بنظريّة “التّزوير” غير المُثبّتة ممّا دفع العديد من محطّات التّلفزة بما فيها “فوكس نيوز” المُحبّبة إليه إلى الانسِحاب من تغطية مُؤتمره الصّحافي لعدم تحمّلها أكاذيبه وارتِكاب خطيئة بثّها احترامًا لمِصداقيّتها أمام جُمهورها.

الرئيس ترامب الذي أقسم على احتِرام الدستور والحِفاظ على أمن أمريكا واستِقرارها دمّر النّموذج الدّيمقراطي الأمريكي في أقل من أربع سنوات، وانعكس هذا بكُل وضوح من خلال مُتابعة نتائج الانتخابات الحاليّة الصّادمة، التي أثبتت عمليًّا انقِسام أمريكا إلى مُعسكرين مُتقاتلين، وكُل مُعسكر يُؤمِن أنّه الفائز، ويُريد إلغاء الآخر، واللّجوء إلى السّلاح إذا اقتضى الأمر للحِفاظ على هذا الفوز، فانهِيار القِوى العُظمى يبدأ داخليًّا، وكُل عناصر هذا الانهِيار وأبرزها تفكّك اللّحمة الوطنيّة الأمريكيّة.
***
الانقسام لن يكون مُقتصرًا على الأيديولوجيا السياسيّة أو الحزبيّة، وإنّما سيكون أعمق من ذلك في الحالة الأمريكيّة، حيث امتدّ إلى النّسيج الاجتماعي، والمؤسّسات الدستوريّة، فنحن أمام “دولتين” مُفترضتين ومُتواجهتين، أيًّا كانت نتيجة الانتِخابات، الأولى تَضُم البيت الأبيض ومجلس النوّاب، برئاسة بايدن، والثّانية مجلس الشيوخ والمحكمة العُليا بزعامة ترامب، وتظل هُناك العديد من علامات الاستِفهام حول المُؤسّستين العسكريّة والأمنيّة، رُغم تردّد أنباء عن عدم رضا المؤسّسة العسكريّة عن تصرّفات الرئيس الأمريكي المُنتهية ولايته.
ترامب، ومُنذ فوزه في انتِخابات عام 2016 كان يعتبر نفسه حاكمًا لنِصف أمريكا، والنّصف الأبيض منه على وجه التّحديد، ولم يُخفِ عُنصريّته وعداءه لسلفه باراك أوباما بسبب أصوله الإفريقيّة، وكُل المُهاجرين غير البيض، ولا نستبعد أن يقود حزبًا جديدًا “أحمر” يُطالب بانفصال الولايات ذات الأغلبيّة البيضاء وتأسيس دولة قد تحمل اسم “المُؤسّسة الترامبيّة”، إذا سارت الأُمور وفق أهوائه، والتّحشيد والتّعبئة الشعبيّة الرّاهنة على وسائط التّواصل الاجتماعي تُوحِي بهذا التوجّه.
جو بايدن الرئيس “شِبه المُؤكّد” لا يملك “الكاريزما” التي تُؤهّله لمُواجهة هذه النّزعة الانفصاليّة، وتوحيد أمريكا خلفه، كما أنّ الكونغرس الذي سيكون مُكلّفًا بحُكم الدّستور بانتِخاب “رئيس”، في حالِ وصلت الانتخابات إلى طريقٍ مسدود، وتعذّر الحسم عبر صناديق الاقتراع، فإنّ تدخّله لن يَحُلّ الأزَمة، وإنقاذ الديمقراطيّة الأمريكيّة من الانهِيار بالتّالي، فلا أحد يستطيع أن يتنبّأ بتطوّرات الأشهر المُقبلة ومُفاجآتها في ظِل بُروز الميليشيات المسلّحة، وحالة الاحتِقان الدّاخلي التي تتضخّم يومًا بعد يوم، وتنتظر المُفَجِّر.
العالم كله يلتقط أنفاسه، ويضع يده على قلبه قلقًا ورُعبًا، وخاصّةً القارّة الأوروبيّة التي توّجت أمريكا زعيمةً لما يُسمّى بالعالم الحر، في ظِل صُعود قِوى عُظمى غير ديمقراطيّة، وغير غربيّة، (الصين وروسيا) وتُقدّم احتِمالات الفوضى وربّما الحرب الأهليّة على ما عداها، من احتِمالات الأمن والاستِقرار في دولةٍ تملك الاقتِصاد الأكبر في العالم مدعومًا بترسانةٍ تَضُم آلاف الرّؤوس النوويّة.
بالنّسبة إلينا كعرب وسُكّان مِنطقة الشرق الأوسط تحديدا سنكون الأكثر تَضرُّرًا، وأيًّا كانت نتائج هذه الأزَمة الأمريكيّة، سواءً كان البعض منّا، الذي راهن على الرئيس ترامب ووضع مِئات المِليارات في سلّته، وخضع لجميع إملاءاته، طمعًا في حِمايته، أو الجناح الآخر الذي يعتقد أنّ بايدن سيحمل له البلسم الشّافي، واتّباع سياسات نقيضة لإدارة ترامب، فالسّفارة الأمريكيّة ستظل في القدس المحتلّة، وصفقة القرن سيتم إعادة تدويرها أو صِياغتها، والتّطبيع سيترسّخ، وسِياسات الحلب المالي ستستمر، وربّما ستُصبِح أكثر شراسةً، فبايدن صاحب نظريّة تقسيم العِراق وسورية وقِيام دولة كُرديّة مُستقلّة.
الجانب “الإيجابي” الوحيد الذي يُمكن أن يتبلور من وسط دمار هذه الفوضى المُتوقّعة، أو المُفترضة، أنّ هذه القوّة الأمريكيّة التي قتلت الملايين من العرب، في العِراق وسورية وليبيا واليمن والمُسلمين في أفغانستان وإيران، ربّما تنشغل عنّا بأزَماتها وحُروبها الداخليّة، لفترةٍ من الزّمن، نأمَل أن تطول؟
المَشروعان الإيراني والتركي المُسلمان، وغير العربيين، ربّما يزدادان قوّةً ونُهوضًا في ظِل هذا الانكِفاء الأمريكيّ المُتوقّع، بسبب قُدراتهما الذاتيّة الضّخمة اقتصاديًّا وعسكريًّا، وعُلاقاتهما الوثيقة مع القوّتين العالميّتين العُظميين الصّاعدين، أيّ الصين وروسيا، خاصّةً إذا عاد بايدن إلى الاتّفاق النّووي الإيراني، ورفع العُقوبات عن إيران، وهذا غير مُستَبعد، وقد يكون حال العرب في المرحلة المُقبلة مِثل حالهم في مرحلةِ ما قبل، وبعد، الحرب العالميّة الأولى، أيّ الاستِعمار والنّهب والتّقطيع والإذلال والتبعيّة.
***
عصر النّفط العربي يُوشِك على الوصول إلى محطّته الأخيرة، بعد أن دمّر كُل مشاريع الوحدة والنّهوض الإسلامي والقومي العربي في المِنطقة، وأخيرًا بالتّطبيع مع دولة الاحتِلال، ودون حتى تأسيس بُنى تحتيّة اقتصاديّة وعسكريّة ذاتيّة قويّة، وتوفير لُقمة خُبز كريمة للأجيال القادمة.
في أربعِ سنواتٍ طارت طُيور ترامب بحواليّ تريليون دولار من أرزاق العرب، مُقابل صفقات أسلحة منزوعة الدّسم ثَبُت فشلها في أوّلٍ اختبارٍ لها في اليمن، وحماية وهميّة، ومن المُؤلم أنّه ما زال هُناك من يُراهِن على ترامب ويتحسّر على أيّامه، ويبكي لفُراقِه الوشيك، ويستعدّ لتِكرار الخطأ نفسه بالرّهان على دولة الاحتِلال الإسرائيلي التي قد تكون بحاجةٍ إلى حِمايةٍ في حالِ انهِيار المُعجزة الأمريكيّة.. عجّل اللُه بِها.. واللُه أعلم.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا قد تخرج تركيا وإيران الرّابح الأكبر من هزيمة ترامب والفوضى الأمريكيّة المُتوقّعة لماذا قد تخرج تركيا وإيران الرّابح الأكبر من هزيمة ترامب والفوضى الأمريكيّة المُتوقّعة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 00:00 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

عليك النظر إلى المستقبل البعيد واختيار الأنسب لتطلعاتك

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 13:21 2021 الخميس ,22 إبريل / نيسان

عملاق صيني للطرق الوعرة سيظهر العام الجاري

GMT 11:08 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

شركة كيا تكشف عن النسخة الأحدث من طراز K5

GMT 12:43 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة شخص وإصابة 2 بتصادم 3 سيارات في دبي

GMT 06:02 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق تعاون بين الأردن والكويت

GMT 12:58 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آلات قطر الإعلامية والدينية.. والتحريض على مصر وجيشها

GMT 07:04 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كثرة التنقل

GMT 10:23 2021 الأربعاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

أفكار بسيطة لإضافة لمسة بوهيمية جذابة إلى منزلك
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia