عبد الباري عطوان
ربّما يَفتَقِد البعض داخِل الولايات المتحدة وخارِجها الرئيس الأمريكي السّابق دونالد ترامب بعد خُروجه المُهين من الأبواب الخلفيّة للبيت الأبيض، ومن ضِمنهم بعض الصّحافيين الذي كان يُوفِّر لمُؤسّساتهم من خِلال سِياساته الحمقاء اليمينيّة العُنصريّة المُتطرّفة التي تُوفِّر لهم القِصص والعناوين المُثيرة، إلى جانب بعض حُلفائه المُستبدّين “المضبوعين” في منطقة الشّرق الأوسط، الذي كان يتستّر على فسادهم وانتِهاكاتهم لحُقوق الإنسان، ولكن الغالبيّة السّاحقة ترى العالم أقل تَوتُّرًا وربّما أكثر أمنًا واستِقرارًا برحيله وطاقمه القارع لطُبول الحرب.
***
نعود إلى الرئيس ترامب وذِكراه السيّئة بعد انقِطاع، للانشِغال بالرئيس الجديد جو بايدن سِياساته ولثلاثة أسباب أخرى:
الأوّل: داخلي يتعلق بوقائع تفاصيل مُحاكمته التي تجري حاليًّا في أروقة مجلس الشيوخ الأمريكي بطلبٍ من الكونغرس، حيث يتّهمه المدّعون الديمقراطيّون بأنّه كان المُحرّض الرّئيسي على اقتِحام أنصاره مبنى “الكابيتول” في السّادس من الشّهر الماضي، وارتكاب أعمال عُنف في إطار خطّة مُحكَمة لنشر الفوضى وقلب نظام الحُكم الدّيمقراطي في البِلاد بطَريقةٍ أو بأُخرى.
الثّاني: خارجي يتعلق بمنطقة الشّرق الأوسط، وبالتّحديد في الدّول الديكتاتوريّة الحليفة لإدارته حيث بدأت هذه الأنظمة تتذكّر فجأةً حُقوق مُواطنيها، وتُعَدِّل أنظمتها القضائيّة، وتُفرِج عن بعض المُعتَقلين والمُعتَقلات في سُجونها خوفًا من عُقوباتِ الإدارة الديمقراطيّة الجديدة.
الثّالث: يتعلّق بمُستقبل النّظام الدّيمقراطي الأمريكي نفسه، حيث بدأ مسؤولون جمهوريّون أمريكيّون سابقون مُشاورات لتشكيل حزب جديد بعد رفض حزبهم الحالي إدانة الرئيس ترامب، الأمر الذي قد يُمَهِّد الطّريق إلى عودته كمُرشّح للحزب في الانتخابات الرئاسيّة المُقبلة عام 2024، وما قد تُسَبّبه هذه العدوى من كوارثٍ داخليّة.
يُجمِع مُعظم الخُبراء الدّستوريين في أمريكا بأنّ مُحاكمة ترامب في مجلس الشيوخ لن تُؤدِّي إلى إدانته، مهما قدّم المدّعون الديمقراطيّون من أدلّةٍ دامغةٍ على تحريضه على الفوضى والعُنف مدعومةً بأشرطة فيديو يتم كشف النّقاب عنها للمرّة الأولى، ويرون أنّ هذه المُحاكمة قد تُعطِي نتاج عكسيّة من حيثُ إظهاره، أيّ ترامب، بمظهر المُضّطهد والمُستَهدف ممّا قد يُؤدّي إلى خُروجه أكثر شعبيّة في أوساط عريضة في حزبه الجمهوري على الأقل، وبِما يُعَزِّز فرص انتِخابه مُمَثِّلًا للحزب الجمهوري في الانتِخابات المُقبلة.
***
بعد الافراج عن النّاشطة السعوديّة لجين الهذلول ومُواطنين سعوديين يحملون الجنسيّة الأمريكية بكفالةٍ، مع انتقالهم إلى الإقامة الجبريّة في منازلهم، بات مُعظم زُملائهم الآخَرين في سُجون أنظمة عربيّة أُخرى، سواءً الذين صدرت بحقّهم أحكامًا ظالمة من قِبَل محاكم شكليّة، أو الذين لم يَمثُلوا أمام أيّ محاكم عادلة أو غير عادلة، بات مُعظم هؤلاء في انتِظار الفرج، ويدعون في صَلواتهم ليل نهار للرئيس جو بايدن بطُول العُمر.
لجين الهذلول وكُل زميلاتها النّاشطات سيتمتّعن بالحُريّة الكاملة، وستُرفَع عنهنّ الإقامة الجبريّة، وأحكام عدم السّفر عاجِلًا أو آجِلًا، وسيحل مكانهنّ خلف القُضبان كُل المُتّهمين بانتهاك حُقوق الإنسان، وخاصّةً المُتورّطين في اغتِيال الصّحافي جمال الخاشقجي بطريقةٍ بشعةٍ في قنصليّة بلاده في إسطنبول، أو من أصدروا الأوامر لهُم بارتكاب هذه الجريمة مهما علا شأنهم.
ترامب الذي كان يَحسِد الدّيكتاتوريين على ديكتاتوريّتهم، قد يكون ذهب إلى غير رجعةٍ، سواءً إدانته محكمة الكونغرس أو لم تُدنه، وحتى لو عاد، لن يعود إلى أمريكا التي انتخبته أو أذلّته وأهانته لاحِقًا، وأخرجته من البيت الأبيض، وقد يَجِد أمريكا أُخرى مُفكّكة ومُقسّمة وتسودها الفوضى.. واللُه أعلم.