نظرية الإرهاب والتضييق على المعتدلين

نظرية الإرهاب والتضييق على المعتدلين

نظرية الإرهاب والتضييق على المعتدلين

 تونس اليوم -

نظرية الإرهاب والتضييق على المعتدلين

عبد الرحمن الراشد

ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة سببه الحجر على الجماعات الإسلامية «المعتدلة»، هذه مقولة طالما رددها المنتمون للجماعات الدينية. وقد اقتنعت الحكومات الغربية بها لفترة من الزمن، حتى صارت تُلِحّ على الحكومات العربية بفتح المجال السياسي للأحزاب الدينية، وإشراكها في الحكم، ديمقراطيا أو عبر الشراكة والمحاصصة.

وقد تبدو منطقية، بأن إشراك المعتدلين يطرد المتطرفين، لكن ليس لهذه النظرية براهين، على الأقل في ساحتنا العربية. مشكلتهم في مفهوم المشاركة التي تعني احتكار السلطة، بخلاف الإسلاميين في تركيا وإندونيسيا، الذين يعملون ويحكمون في ظل نُظم علمانية، كما أن «الليبرالية الإسلامية» غالبة عليهم، ولا تشبه في شيء إسلامية العرب المتشددة. وغاية الجماعات الدينية المسيّسة الوصول إلى الحكم بغض النظر عن الخطاب والوسيلة، ثم التحول لاحقا إلى نظام يهيمن ويقصي!
بالممارسة ثبت أن معظم الأحزاب الدينية العربية جماعات إقصائية، رغم ما تتحدث عنه من مفهوم الاعتدال والتعايش. وفي تاريخنا الحاضر نماذج كثيرة لها، استدل بأربعة منها. التجربة الأولى كانت إيران. فالحشود التي تظاهرت في شوارع طهران تدعو لإسقاط الشاه، واستقبلت آية الله الخميني في المطار، كانت خليطا من قوى سياسية اتفقت على إقامة نظام يسمح بالتعددية. الذي حدث أن الإسلاميين بعد تمكنهم من الحكم، قاموا بسن قوانين أقصت كل القوى إلا أنفسهم، ثم تخلصوا من منافسيهم بقسوة فاقت ما فعله نظام الشاه بمرات. عشرات الآلاف من مؤيدي أحزاب مثل «تودة» الشيوعي و«مجاهدين خلق» تمت تصفيتهم جسديا.

التجربة الثانية في السودان. فبعد إسقاط جعفر النميري ارتضى السودانيون بنظام سياسي تعددي، وفعلا جرت الانتخابات التي كسبها حزب الأمة، وجاء حزب الاتحادي ثانيا. أما الحزب الإسلامي، لأنه جاء في المرتبة الثالثة، تآمر زعيمه حسن الترابي مع الفريق عمر البشير ونفذوا انقلابا يحكم السودان إلى اليوم بالحديد والنار منذ 26 عاما.

التجربة الثالثة في قطاع غزة. فقد وافقت منظمة التحرير الفلسطينية، ضمن اتفاق أوسلو، على إجراء انتخابات برلمانية عام 2006، ومارس الأميركيون ضغوطا كبيرة عليها للسماح لحركة حماس بالمشاركة، وفق نظرية: إشراك الإسلاميين سيستأنسهم. النتيجة فازت حماس بـ76 مقعدا من 132 مقعدا وشكلت حكومة، وبعد سنة أقصت شريكها فتح واستولت على غزة وتخلصت من منافسيها بالقتل والطرد.

التجربة الأكثر إثارة، حكم الإخوان في مصر. ربما لم تكن فترة رئاستهم كافية للحكم على نياتهم، لكن كثيرا من ممارساتهم كان فيها تغول على السلطة والدستور، بالتحكم في القضاء وتعيين النائب العام، في مخالفات تطيح بأي حكومة في نظام ديمقراطي.
وبالتالي لا نجد في نصف قرن حالة عربية واحدة يمكن أن تثبت أهلية الأحزاب الدينية في تعايشها وديمقراطيتها. حتى تونس التي يضرب بحزبها (النهضة)، المثل في اعتداله، الحقيقة لم يصبح معتدلاً إلا بعد إقصاء الإخوان في مصر بالقوة. «النهضة» خاضت انتخابات ما بعد الثورة وفازت بـ89 مقعدا من 217 مقعدا، ورأست الحكومة عامين، خلالها حاولت تعديل الدستور للتضييق على خصومها وفشلت.

والأسوأ من عدم نضوج الأحزاب الدينية، أن وصولها للحكم أيضا لم يمنع التطرّف. فقطاع غزة يعاني من نشاط جماعات متطرفة تكفر حماس وتدعو لقتالها، وقد قامت حماس بهدم مسجدهم، وقتلت عددا منهم. وفي السودان ظهرت أكثر من مرة جماعات تكفيرية مماثلة لا تزال تحاربها حكومة البشير إلى اليوم. وحتى في حكم العام الواحد للإخوان في مصر نفذت جماعات متطرفة عمليات ضد الجيش في سيناء. وكذلك في فترة حكومة «النهضة» التونسية ظهرت الجماعات المتطرفة، واغتالت اثنين من قادة المعارضة، وذبحت جنودا على الحدود.

هذا الحديث يوصلنا إلى نتيجتين؛ إن الأحزاب الدينية ليست أقل ديكتاتورية، وإيصالها للحكم لا يمنع أن يظهر على يمينها جماعات متطرفة. كله يؤكد أن مقولة إن التضييق على «المعتدلين» سبب في ظهور المتطرفين مجرد خرافة، هذا إذا قبلنا بمصطلح «المعتدلين»! الأكيد أن المنطقة تعاني من مرض فكري خطير ينتشر، والقليل يتم في سبيل مكافحته، لكن لا يجوز أن نكافئ الجماعات الدينية بالحكم من أجل التخلص من التطرّف.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرية الإرهاب والتضييق على المعتدلين نظرية الإرهاب والتضييق على المعتدلين



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia