مواجهة التطرف لا تترك للمترددين

مواجهة التطرف لا تترك للمترددين

مواجهة التطرف لا تترك للمترددين

 تونس اليوم -

مواجهة التطرف لا تترك للمترددين

عبد الرحمن الراشد

في ست مدن سعودية طاردت قوات الأمن خلايا إرهابية مرتبطة بجريمة الهجوم على حسينية في قرية بالأحساء التي توفي فيها سبعة مواطنين. في المطاردة سقط رجلا أمن، أحدهما سبق أن أصيب في مواجهات مع إرهابيي «القاعدة» في نفس المنطقة، القصيم، عام 2005!

كيف يعيد التاريخ نفسه؛ التطرف الفكري ينجب الإرهاب، والمدنيون العزل يسقطون من جديد قتلى، والبلاد تصبح في قلق من عودة الإرهاب، ومن نجا من رجال الأمن في الحرب الماضية يقدر لأحدهم أن يموت في الحرب اللاحقة.

الإرهابيون لا يولدون إرهابيين، إنهم ضحايا مدارس التطرف بمعناها الواسع، أي الثقافة المحلية، والعجز عن المواجهة، وخلل في الأنظمة، وضعف في القضاء. فعدد من القتلة كانوا موقوفين وأطلق سراحهم لأن هناك من تبرم من احتجاز المتهمين، رغم انخراطهم في مجتمع التطرف.

تزايد الفكر المتطرف، لأن الحبل ترك على الغارب، فكبرت دائرة المؤمنين به، حتى صار يخيل أننا نعيش وسط تنظيم داعش وقد عشش في كل مكان، واستلب فكر أقلية كبيرة، وأصاب الخوف الأغلبية، وصارت تخشى مواجهته، صارت تخاف على نفسها وأبنائها ومستقبلها، ومن الحي الذي تعيش فيه. إنها حالة تذكرني بمسلسل «ووكينغ ديد»، WALKING DEAD، عندما تجد القلة الناجية السجن خير مكان تحتمي فيه من الوحوش الآدمية. الوحوش الآدمية تزداد عددا وعملا ووحشية، وتبقى مواجهتها مسؤولية الدولة. ما مصير الشباب الذين يتركون عرضة للتطرف فكرا، وبأي منطق يعتقلون وما هم أنفسهم إلا ضحايا للثقافة المتاحة والمباحة؟

هل نعي حجم المشكلة، وأنها ليست مسألة أمنية فقط؛ إذ كل مرة تنبت خلايا إرهابية نطلق عليهم قوات الأمن تلاحقهم؟ هؤلاء خطر على المجتمع، والأجيال الناشئة، كلما لوحق جيل منحرف منهم، ولد جيل منحرف آخر أكبر من سابقه. هؤلاء خطر على المجتمع الدولي الذي بات يشتكي علانية منه، وأصبح لا يكتفي بمضايقة المواطن السعودي في مطارات العالم وجامعاته، بل يلمزنا متحدثا عن الخلل الذي يهدد العالم بسبب ثقافتنا، وفشل المواجهة الرسمية في كبحه والتخلص من هذا المرض الذي أرعب العالم منذ التسعينات. يجب أن ندرك أن علينا مسؤولية دولية، وسيستغلها خصومنا لمحاسبتنا، ولن يكتفي العالم بتحاشينا كما يفعل اليوم مع المجتمعات الموبوءة بإيبولا ومثلها. هؤلاء مصدر خطر داخلي وخارجي. وها هي دول معادية تجد في أبنائنا، تنظيماتهم وجرائمهم ومنشوراتهم وإعلامهم، وسيلة لتأليب المجتمع الدولي علينا، وعزلنا، وهدم كل ما بنيناه، رغم إرادتنا، ولن يفلح سجلنا في محاربة الإرهاب في الدفاع عنا. فهل هناك من يعي حجم الخطر، ويفعل شيئا لمنعه، وليس بالاتكال على رجال الأمن وحدهم في مطاردة الإرهابيين بعد أن يصبحوا مجرد قنابل تمشي على الأرض؟

لقد مر زمن طويل على المشكلة، وقد أدركنا حقيقتها منذ النصف الثاني من التسعينات في التفجيرات الأولى، ثم صدمتنا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. وضربتنا مباشرة في عقر دارنا عام 2003 في الرياض، وخضنا حربا قاسية مع تنظيم القاعدة في أنحاء السعودية لنحو ست سنوات. وظننا أنه قد قضي على كل الخلايا، ليعود الفكر ينتج المزيد منها، وتطلق أولى رصاصاتهم في الأحساء في أول جريمة من نوعها. والحق أن موقف المفتي القوي، الصريح، هو الذي شجع الكثيرين للقول إنه يجب عدم السكوت عنهم، فحياة ملايين الناس في خطر. لا ينبغي أن نكون بين احتمالين؛ ضحية للخداع الفكري المتطرف أو ضحية للمتطرفين.

مسؤولية مواجهة التطرف يجب ألا تترك للمترددين، والخائفين، والمشككين، لأن هؤلاء فشلوا في سنوات الامتحان. لم يفعلوا شيئا تستحق بموجبه علامة النجاح طوال عقد منذ إعلان الحرب على التطرف. فالأموال لا تزال تجمع، والمنشورات توزع، والفكر المتشدد يخيم على الوسائل الإعلامية المختلفة، والمدارس والجامعات فيها من المتطرفين من العدد والصراحة، أساتذة وتلاميذ، ما لا يدع مجالا للشك حول خطر مسار الأجيال المقبلة! حتى طلابنا في الخارج لم يدعوهم في حالهم ينشأون في مناخ خارج تأثيرهم.

هذا الحديث القاسي عن المملكة، ليس خاصا بها، بل ينطبق على كل الدول المماثلة في الخليج، ومصر، وباكستان، وإندونيسيا، ومجتمعات المهاجرين في الغرب، وكل المجتمعات التي تفشى فيها فيروس إيبولا التطرف الديني.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مواجهة التطرف لا تترك للمترددين مواجهة التطرف لا تترك للمترددين



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia