من إخوان السبلة إلى داعش

من "إخوان السبلة" إلى "داعش"

من "إخوان السبلة" إلى "داعش"

 تونس اليوم -

من إخوان السبلة إلى داعش

عبد الرحمن الراشد

«داعش» و«جبهة النصرة» و«القاعدة» ومثيلاتها، ليست في حقيقتها دولا بالمعنى الذي نفهمه، بل هي فكرة اسمها التطرف، يجتمع تحت راياتها من يتفق معها، يناصرونها بأشكال مختلفة، بالرصاصة أو الدولار أو الكلمة أو العاطفة. وهناك متطرفون ربما ضد حمل السلاح، لكنهم يلتقون مع جماعات العنف في الفكرة والهدف النهائي، وإن اختلفوا معها في الوسائل.

وبخلاف الشائع في التحليل السياسي، فإن التطرف والمتطرفين دائما كانوا يمثلون الخطر على المملكة العربية السعودية، إلا أن هذه الحقيقة تضيع في بحر الاتهامات، وتشتبه الصور على أكثر الناس فهما لأوضاع منطقة الشرق الأوسط، والسعودية تحديدا. وهذا الفهم التاريخي الخاطئ، للصديق والعدو، لم يعد مقصورا على الأجانب، وغوغائيي الدعاية العربية، بل تسلل إلى الداخل السعودي، وصار يصدقه البعض ويروج له المتشددون. في رأيي التطرف هو أكبر خصم، وأعظم خطر على السعودية، ولهذا من المصلحة محاربته بشكل منهجي ومؤسساتي، وبشكل مستمر.

تاريخيا، المعارك التي اضطرت السعودية إلى خوضها داخليا، كلها بلا استثناء، كانت ضد المتطرفين الدينيين، والاستثناء الوحيد كان تهديد الحركة الناصرية التي لم ترق إلى مستوى الخطر. بدأت أول مواجهة مع المتطرفين دينيا بعد 17 عاما من تأسيس المملكة العربية السعودية. كانوا يعرفون باسم «الإخوان»، ويشبهون «داعش» اليوم في غلوه وقسوته. أعلنوا رفضهم مفهوم الدولة الحديثة والعلاقات الدولية وقرروا الخروج على سلطة الملك عبد العزيز، وهاجموا العراق. اشتبكوا مع العشائر العراقية والقوات البريطانية، وتمكنوا من بث الرعب في تلك المناطق، وأسقطوا إحدى الطائرات البريطانية الحربية، وفق ما ذكره غلوب باشا. وبعد عجزهم، استدار المتطرفون وهاجموا مناطق سعودية، وسلبوا طرق التجارة. وبعد أن فشل الملك عبد العزيز في إقناعهم قاتلهم حتى قضى عليهم.

تلتها موجات احتجاجية متفرقة تحدت الدولة في كل مرة تجري فيها عمليات تحديث للبلاد، من إدخال نظام البرقيات، إلى التلفزيون، وتعليم البنات. وفي السبعينات فاجأوا الجميع فجر يوم باحتلالهم المسجد الحرام في مكة المكرمة، وأعلنوا ثورتهم، ودامت الأزمة أسبوعين وانتهت بهزيمتهم ومئات القتلى. وقد قدم الزميل الأستاذ مشاري الذايدي تحليلا رائعا، في هذه الجريدة، في سلسلة مقالات بعنوان «ربع قرن على حركة جهيمان».

وتكررت المواجهات مع المتطرفين في التسعينات، سياسيا، وإعلاميا، وميدانيا، حيث قاموا بتنفيذ عدد من التفجيرات المتفرقة. إلا أن المواجهة الكبرى، والأخطر، في تاريخ المملكة، وقعت في عام 2003 مع تنظيم القاعدة، ودامت الحرب نحو ست سنوات، وشملت أنحاء المملكة، واستهدفت المصالح الحكومية والسفارات الأجنبية والمنشآت النفطية، والمدنيين بشكل عام. وها هم المتطرفون يعودون في ثوب جديد اسمه «داعش»، ونفذوا بضع عمليات مفتتحين عهدا جديدا من الدم.

هذه مراجعة تاريخية سريعة لسيرة التطرف الإرهابي في السعودية، والتي تبين كيف أن التطرف، والمتطرفين، فقط وحدهم دون غيرهم، شكلوا الخطر الدائم على الدولة، وليس كما يقال، ويعتقد، أنهم السند الفكري والشعبي، دون إدراك أن التطرف، كفكرة، وأدوات، وجغرافيا، وسياسة، يمثل خطرا وجوديا حقيقيا، ودون فهم أن التطرف الآن يتغلغل ويبشر بأفكاره، ليس بالضرورة باسم «داعش»، وأن البعض يصبحون من أتباع هذا المذهب تحت عناوين عادلة وإنسانية أو دينية، مثل سوريا وفلسطين وباريس، وبورما التي تستغل لنشر فكرهم، وسلطتهم على المجتمع، وتعظيم دورهم، وهم دائما سيجدون من القضايا ما يسهل عليهم استغلاله.

خطر غول التطرف على السعودية عمره تسعون عاما، لكنه اليوم أخطر من أي يوم مضى، وقد أصبح مشكلة عالمية، وسعودية، تتطلب ما هو أكثر من العلاج الأمني. والمشكلة أصبحت مزدوجة، كماشة بفكين، بين خطر المتطرفين وخطر الغاضبين من المتطرفين.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من إخوان السبلة إلى داعش من إخوان السبلة إلى داعش



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia