حين ينهار العراق

حين ينهار العراق

حين ينهار العراق

 تونس اليوم -

حين ينهار العراق

غسان شربل

كأننا أبناء الجزء الملعون من الكرة الأرضية. يلتفت العالم إلى البرازيل. ينشغل ثلاثة أرباع سكان الأرض بالمونديال. يذهبون في إجازة مع «الساحرة المستديرة». يشترون القمصان ويعلقون الأعلام على الشرفات. يتسمرون أمام الشاشات. يسألون عن نيمار البرازيلي. وليونيل ميسي الأرجنتيني. وكريستيانو رونالدو البرتغالي. تهتز الشباك فتطوف الصور العالم. ينشغل المحللون في تقويم التسديدات. وركلات الترجيح. وأعنف ما يمكن أن يحصل بطاقة صفراء تتحول حمراء.
كأننا أبناء الجزء الملعون من العالم. يلتفت العالم إلى البرازيل ونبقى غارقين في هاويتنا. نتابع التسديدات الدموية لـ «داعش» و «أبو بكر البغدادي». واهتزاز شباك نوري المالكي وانهيار فريقه. ينشغل العالم بحروب مخملية تنتهي بكأس. ونتابع نحن انحدارنا من جحيم إلى جحيم. خرائطنا تتفكك على وقع عصبياتنا العمياء وأعلامنا مبللة بالكراهية والدم. ينهمكون بتكريم الفائزين وننهمك بمواكب التشييع وأمواج اللاجئين.
لنترك المونديال لأهله. للشعوب الطبيعية التي تعيش في دول طبيعية. لدينا مهمات أكثر إلحاحاً. مباراة قاتلة على أرض العراق نتائجها تتخطى حدود أراضيه. ما جرى في الأيام الماضية ليس بسيطاً. إنه انهيار كامل للقوات المسلحة العراقية. أكاد أقول إنه انهيار كامل للعراق. من يصدق أن «داعش» استولت فجأة على ألف آلية ومدافع وصواريخ وكميات هائلة من الذخيرة. وإن صاحب القرار في الموصل حالياً ضابط سابق في جيش صدام. وإن سيد المدينة الجديد يعرف بوجود نصف بليون دولار في فرع البنك المركزي فيها. حدث ما كان يصعب تخيله أو تصديقه.
هاتفت أصدقاء في العراق. للمرة الأولى منذ سنوات أشعر بخوفهم الشديد. على العاصمة. وما تبقى من التعايش ووحدة العراق. تكرر تعبير «الانهيار الكامل» في وصفهم التطورات. استوقفني قول سياسي بينهم إن إنقاذ العراق من الخارج متعذر. وإن الغارات الأميركية على «داعش» لن تحل المشكلة، هذا إذا حصلت. وإن إيران تدرك تماماً مخاطر أي تورط عسكري مباشر لقواتها. والأمر نفسه بالنسبة إلى تركيا. قال السياسي إن الوقت ينفد بسرعة رهيبة. وإن وقف التدهور لا بد أن يبدأ باستقالة المالكي لإفساح المجال أمام حكومة وحدة وطنية تضمن الدفاع عن بغداد نفسها ومنع وقوع مذبحة كبرى فيها وحولها. حكومة تشرع فوراً في إعادة تنظيم القوات المسلحة وتتعاون مع قوات إقليم كردستان وأبناء المناطق التي استبيحت على يد «داعش» وحلفائها. ولفت إلى ما سماه «حقائق جديدة على الأرض في المناطق السنية وكذلك في كركوك التي باتت وللمرة الأولى في عهدة قوات البيشمركة وحدها».
قال السياسي إن خطورة الوضع لا تسمح بانتظار تبلور صفقة أميركية- إيرانية تضطلع طهران بموجبها بدور في مكافحة الإرهاب من بغداد إلى بيروت مروراً بدمشق. لاحظ أن ظروف مثل هذه الصفقة لم تنضج بعد، ذلك أنها لا بد أن تشمل عدم تهديد أمن إسرائيل. وهذا يعني تغييراً كبيراً في مبرر قيام هلال الممانعة وقاموسه.
أكد السياسي أن التأخر في الرد على الانهيار الذي حصل سيعني إعادة إطلاق الحرب الأهلية. وسيعني تصاعد التسابق بين المكونات على تقاسم أراضي العراق وثرواته. وتحقيق ذلك متعذر من دون مجازر وتهجير واستكمال عمليات الفرز المذهبي. ثم من قال إن تمزيق العراق سيقتصر عليه بعدما فقدت التركيبة السورية حصانتها وتصدعت وعاد التفكك اللبناني إلى الواجهة؟
من حق سيرغي لافروف أن يسخر من النتائج الكارثية للغزو الأميركي للعراق. ولا مبالغة في قوله «إن وحدة العراق مهددة». لكن من الصعب القول إن دم العراق موجود على أصابع السياسة الأميركية وحدها. هذا الدم موجود على أصابع كثيرين داخل العراق وخارجه. يخطئ لافروف حين يتحدث كأنه رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر. التأخر في وقف الحرب في سورية سبب رئيسي للانهيار الحاصل في العراق. ومن يدري، فقد يأتي غداً من يذكر لافروف بأن أصابعه ليست بريئة من دم المنطقة.
ينشغل العالم باستقبال المونديال وننشغل نحن في وداع العراق الذي عرفناه واعتقدنا ذات يوم أنه عصي على الانهيار والانقسام. حين ينهار العراق على دول المنطقة أن تتحسس أطرافها.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين ينهار العراق حين ينهار العراق



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia