حتى بريطانيا مهددة بالتقسيم

حتى بريطانيا مهددة بالتقسيم

حتى بريطانيا مهددة بالتقسيم

 تونس اليوم -

حتى بريطانيا مهددة بالتقسيم

عبد الرحمن الراشد

 إلى صباح أمس والعالم يترقب قرار سكان اسكوتلندا بالانفصال أو البقاء ضمن بريطانيا. وكثير من مراكز القرار شعرت بالارتياح بعد أن رفضت الأغلبية الاسكوتلندية فكرة التقسيم، محبذة البقاء ضمن إطار الملكية الدستورية المتحدة، التي تجاوز عمرها ثلاثمائة عام. ففي الاتحاد الأوروبي مناطق تنشد الانفصال مثل كاتالونيا الإسبانية، وفي أميركا الشمالية نزعة الانفصال قوية في كيوبيك الكندية، وهكذا.

على العرب المؤمنين بنظرية المؤامرة أن يفهموا حقائق العالم الجديد، هذه بريطانيا المتهمة دوما أنها تتآمر لتقسيم العالم العربي، هي نفسها تعرضت لخطر التقسيم لولا أن رفضته فقط أغلبية صغيرة، 55 في المائة من الاسكوتلنديين. لا توجد مؤامرة ضد التاج البريطاني، بل تبدلات اجتماعية وديموغرافية واقتصادية وثقافية، تعرض أقوى الأنظمة لرياح التغيير ما لم تعالجه بوسائل جديدة تستجيب للمتغيرات المحلية.

مساحة بريطانيا العظمى، تعادل نحو ثمن مساحة السعودية، وربع مساحة مصر. ومساحة اسكوتلندا تبلغ ثلث مساحة بريطانيا، وسكانها 5 ملايين فقط من إجمالي 66 مليون بريطاني. لكن لهذه الدولة الصغيرة مساحة، دور تاريخي عظيم، يجعلها من أعظم الإمبراطوريات التي حكمت العالم من الصين إلى الولايات المتحدة، أهلها بحارة أشداء، ومثقفون لا يزال أثر ثقافتهم مهيمنا في أنحاء الكرة الأرضية إلى اليوم. العالم كما نراه اليوم نقل عنهم القانون، والسياسة، والحرب، والأدب، والفن.

ومع هذا ففي عام 1999 أقدم رئيس وزراء بريطانيا توني بلير على اعتماد نظام برلماني محلي لاسكوتلندا، بصلاحيات محلية واسعة، مدركا أن العالم تغير بعد سقوط نظام المعسكرين، وانفتاح العالم المتزايد، وانخراط بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. ومع أن نزعة الانفصال عن إنجلترا موجودة في كل «دول» المملكة المتحدة، آيرلندا الشمالية، واسكوتلندا، وويلز، إلا أن الأغلبية لا تزال تعرف أن رابطة التاج البريطاني تبقى قوة إيجابية، فبريطانيا هي سادس قوة اقتصادية في العالم، ولا تعوضها الخيارات الانفصالية. الاستقلال يمثل عند البعض حنينا تاريخيا قديما، أو حلولا لإشكالات اقتصادية آنية، قد تكون وهمية، وليس في اسكوتلندا تلك المقومات التي تجعلها تقاوم وحيدة هيمنة الأعضاء الأكبر في الاتحاد أوروبا.

العبرة هي أن فكرة التقسيم، ونزعات الانفصال المحلية، ليست حالة غريبة حتى في داخل الدول القومية العريقة، مثل بريطانيا، والمعاصرة مثل كندا. مثاليا الأفضل فهمها ومعالجتها، والبحث عن حلول تعزز المصالح المشتركة، وتعمق الشعور الوطني، وليس إنكارها أو محاربتها. النموذج السيئ هو السودان. فقد كان بإمكان هذه الدولة العربية والأفريقية الأكبر، سابقا، البقاء موحدة لولا أن النظام في الخرطوم اختار الحرب والعداء، وطالت الحرب حتى صارت الوحدة أغلى من التقسيم، فصار الطلاق. وهكذا فقد العالم، وليس السودانيون فقط، دولة كبيرة عزيزة. واكتشف الطرفان لاحقا أن الانفصال علاج مر، حيث لم يجلب الاستقرار للخرطوم، ولا الازدهار والتطور لجوبا.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى بريطانيا مهددة بالتقسيم حتى بريطانيا مهددة بالتقسيم



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia