حجاب ونقاب وبوركيني

حجاب ونقاب وبوركيني

حجاب ونقاب وبوركيني

 تونس اليوم -

حجاب ونقاب وبوركيني

بقلم : عبد الرحمن الراشد

ما يميز الغرب عن بقية العالم مبدأ احترام الحريات، يؤمن به كثقافة، ويلزم نفسه به في صلب الدساتير التي تلزم الحكومات والمواطنين. ولهذا السبب، تدخل مجلس الدولة القضائي الفرنسي، واعتبر تصرفات بلديات الجنوب الفرنسي تخالف الدستور عندما حظرت ارتداء البوركيني على الشواطئ. والبوركيني لباس جديد حتى تتمكن النساء المسلمات الراغبات في قضاء وقت على الشواطئ، والسباحة في الأماكن العامة.

البوركيني يواجه ثلاثة مواقف متضادة، رؤساء البلديات يرفضونه لأنه إسلامي، والمتشددون الإسلاميون أيًضا يرفضونه لأنه غير إسلامي، وقلة من المسلمين الملتزمين دينًيا توافق عليه.

أما مجلس الدولة، وهو أعلى سلطة قضائية في فرنسا، فقد نظر في القضية التي رفعت إليه، واعتبر أن حظر البوركيني «ينتهك الحريات الأساسية بشكل صريح وخطير».

ويمكننا أن نفهم إشكالية الاختلاف في الثقافات، ونضع أيًضا في الاعتبار ظروف الخوف والكراهية المتزايدة التي تشحن السكان المحليين. مثلاً، نيس هي من المدن الفرنسية الشاطئية التي حظرت ملابس البحر المحجبة، وعلينا أن نتذكر أيًضا أنها التي شهدت عملية إرهابية الشهر الماضي، حيث دهس «داعشي» أكثر من ثمانين شخًصا عمًدا، وهي من أكثر العمليات قسوة وبشاعة وترويًعا. وفي هذا الجو المحموم، من الطبيعي أن يصبح رأي أغلبية الرأي العام الفرنسي، في استفتاء حديث، ضد ملابس البحر «الإسلامية».

وقد لا نجد أكثر من مائة امرأة مسلمة تريد ارتداء البوركيني، كأقلية ليبرالية مسلمة، إلا أنه يعكس حالة الصدام الثقافي، وتزايد التحديات أمام مسلمي الغرب؛ من أماكن عمل، إلى ملابس، إلى مدارس ونحوه. وقد سبقهم إلى طريق المعاناة يهود أوروبا، الذين تعايشوا واندمجوا في الثقافة الأوروبية المسيحية، وحافظوا على جزء من تقاليدهم دون إفراط في تمييز أنفسهم. وحتى هذا الخط الوسطي عند يهود أوروبا لم يمنع وجود جماعات مشحونة بالكراهية الدينية تعاديهم، لكنها تبقى محدودة في بلدان يحكمها القانون، ويعاقب المخالفين

اعتناق ديٍن حٌق، وممارسته من الحريات التي يحميها الدستور، وهذا ما جعل أوروبا جاذبة لملايين المسلمين والهندوس والبوذيين، وحتى للمسيحيين من الطوائف الأخرى التي كانت تعاني من الرفض والتمييز المذهبي قديًما. الغرب بلاد الحرية، لكن تبقى مساحة الحرية مسألة نسبية، وهي مصونة طالما أنها لا تعتدي على حريات الآخرين، كما يفعل المتطرفون. مثلاً، عمر عبد الرحمن من غلاة الدعاة، وكان يشغل الإعلام البريطاني بالسباب ضد المجتمع والنظام الذي آواه، حيث جاء إلى بريطانيا لاجًئا مطلوًبا، ومحكوًما عليه بالإعدام في مصر. لسنوات، ظلت الشرطة البريطانية تحرسه وبيته من هجمات العنصريين والغاضبين، ثم رحل لاحًقا إلى أميركا بتهمة التورط مع جماعة إسلامية كانت وراء تفجيرات نيويورك في التسعينات.

وبسبب الملابس والمأكل وحرية التعبير ضد الرموز الدينية، صارت حدود الحريات في بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وغيرها محل نقاش ساخن، أشعله تضخم عدد اللاجئين المسلمين، وتصب العمليات الإرهابية الزيتعلى نار الكراهية ضد الأغلبية المسالمة من المسلمين.

السلطات البلدية التي تدير شواطئ نيس وفريجو وغيرها، تحاول عصيان القرار، ومنع ملابس البحر الإسلامية، في حين امتدحت كثير من وسائل الإعلام الفرنسية القرار القضائي، واعتبرته انتصاًرا للحريات وقوانين الجمهورية الفرنسية. لكن «البوركيني» قطعة واحدة من ملابس كثيرة. فهناك قرار قضائي سابق حظر النقاب، ولا يزال تطبيقه يمثل مشكلة كبيرة للأجهزة الأمنية والقضائية. وعلينا أن نفهم لماذا. القانون لم يمنع الحجاب، الذي يغطي شعر الرأس فقط، بل حظر النقاب لأنه يغطي كل الوجه، على اعتباره يمثل تهديًدا للأمن، في وقت تمتلئ الشوارع والميادين بالكاميرات والمخبرين الذين يدققون في الوجوه بحًثا عن المطلوبين.

ولا بد أن نلحظ التغييرات الاجتماعية التي طرأت على الجالية الإسلامية في أوروبا. ففي الماضي القريب، كانت الغالبية تأكل وتشرب وتلبس وتدرس مثل بقية مكونات السكان، لكن التشدد دخلها، كما انتشر في الدول الإسلامية قبلها. المسلمون في أوروبا يريدون أن يميزوا أنفسهم باللحم الحلال، والصيرفة الإسلامية، والمدارس الإسلامية الخاصة، وبالحجاب والبوركيني، وهذه جميعها لا تتعارض مع القوانين التي تحمي الحريات الفردية، إنما سيكون صعًبا على غالبية المسلمين في أوروبا أن يتبنوا التشدد، ويعيشوا منعزلين عن المجتمعات، في حين أن الدين الإسلامي نفسهُييسر عليهم حسب ظروفهم، وفيه كثير من التفاسيرالمختلفة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حجاب ونقاب وبوركيني حجاب ونقاب وبوركيني



GMT 08:13 2021 الثلاثاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تصفير الخلافات منذ اتفاق العلا

GMT 08:13 2021 السبت ,04 كانون الأول / ديسمبر

«البوليفارد» مسرح التغيير الكبير

GMT 08:27 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

صعود القذافي الابن

GMT 07:39 2021 الأحد ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بين الرياض وبيروت

GMT 04:28 2021 الخميس ,30 أيلول / سبتمبر

الخلاف حول اليمن

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia