للذين احتفلوا بتقرير «شيلكوت»

للذين احتفلوا بتقرير «شيلكوت»

للذين احتفلوا بتقرير «شيلكوت»

 تونس اليوم -

للذين احتفلوا بتقرير «شيلكوت»

بقلم : عبد الرحمن راشد

يستطيع المرء أن ينتقي ما يشاء من تقرير حجمه أكثر من مليون ونصف المليون كلمة، أصدرته لجنة التحقيق البريطانية التي يرأسها السير شيلكوت، واستغرق زهاء سبع سنوات.لكن لم يرد في التقرير الضخم إدانة تجريم واحدة ضد رئيس الوزراء حينها توني بلير. ولم يعتبر قراره بشن الحرب على العراق غير قانوني. ولم يطالب بمحاسبته ولا بالتحقيق معه. بل أكثر من ذلك، برأ بلير لأول مرة من التهمة الرئيسية بأنه كذب على البرلمان. ذكر التقرير أن رئيس الوزراء الأسبق بالفعل نقل ما ورده من الاستخبارات عن أسلحة صدام الكيماوية.وبلير نفسه لم يعتذر عن الحرب ولم يتراجع. اعتذر عن الأخطاء المتصلة بالحرب، مثل حلّ جيش وحكومة صدام. وبالمناسبة بلير كان ضد قرار واشنطن هذا، في وقتها.بكل أسف ما ينشر عربيًا مترجما ينمّ عن خليط من الدجل والجهل.ومع احترامي لجريدتي «الشرق الأوسط»، المعروفة عادة بدقتها ومهنيتها، اعتمدت تصريح حزب هامشي هو «الاسكتلندي الوطني» عنوانا، مع أنه لا قيمة لرأيه: «تجب محاسبة بلير»!وفي الحقيقة، كنت أتوقع أن يظهر تقرير التحقيق قاسيا، لأن نتائج الحرب جاءت فاشلة بخلاف ما تعهدت به الحكومة.

فالتقرير لام بلير على أنه لم يستنفد السبل السلمية قبل شن الحرب، وهذا يعني أن اللجنة لم تخطئ قراره بشن الحرب، بل لأنه لم يصبر بما فيه الكفاية على الوساطات.أما حول مساندته الرئيس الأميركي السابق، وخوض الحرب معه، فإن علينا فهم العلاقة الخاصة بين البلدين، وأن أي رئيس وزراء بريطاني، مهما كان حزبه، سواءً كان عماليًا مثل بلير أو محافظا مثل مارغريت ثاتشر، لا يمكن أن يتخلى عن تحالفه مع الولايات المتحدة، خاصة في الأزمات، لأن العلاقة بواشنطن تمثل أعظم قيمة لبريطانيا في حضورها الدولي.لكن ماذا عن الحرب، قرارًا ونتائجَ؟الحرب عمل سياسي قبل أن تكون عملا عسكريا، والحروب السيئة فقط تلك التي تخسرها. فالاعتراضات على حرب أميركا على العراق في تحرير الكويت 1990. كانت أكبر مما واجهته حربها على العراق في عام 2003. في أعقاب هجمات سبتمبر (أيلول)، وعجز الغرب عن السيطرة على مراوغات صدام وفشل سياسة الحصار. ولو أن الولايات المتحدة خسرت حربها الأولى على العراق في الكويت لقال الجميع إنها حرب خاطئة، إنما توصف اليوم بأنها عمل سياسي وعسكري عظيمان. بصراحة، لا توجد حروب صائبة وحروب خاطئة، هناك انتصار وهزيمة.

الأميركيون كسبوا حربهم على صدام 2003 بيسر شديد فاجأهم وفاجأ العالم، وقد غرّر بهم الانتصار السهل إلى درجة أنهم استسهلوا إدارة الأزمة لاحقًا وأساءوا التصرف.بالنسبة لواشنطن، فشلت في تحقيق هدفها الأساسي، إقامة نظام حليف مستقر، يمثل نموذجًا سياسيا يُحتذى في منطقة الشرق الأوسط. أما بالنسبة لدول المنطقة فقد تعاملت مع الأزمة بشكل مختلف. معظمها اعتبرت إقامة واشنطن نظاما في بغداد يمثل تهديدًا لنظامها. مثلاً، نظام بشار الأسد، الخائف أن يكون التالي، تولى إدارة المقاومة العراقية، وسهل على تنظيم «القاعدة» العمل في العراق من خلال سوريا، وانساق وراءه إعلام عربي يهلل لـ«القاعدة» والمعارضة المسلحة فخدم إيران والأسد. وقد استغلت إيران امتناع السعودية عن التعاون مع الأميركيين فقامت بالدور عنها بالنيابة مرتين، في غزو أفغانستان ثم العراق. منحتهم حق استخدام أجوائها، وتعاونت معهم استخباراتيا وسياسيا، وهو الذي غير معادلة العلاقات لاحقًا في المنطقة. أما بالنسبة للسعودية والخليج ومصر فقد تسبب امتناعها عن التدخل والتعاون في اختلال معادلة الحكم في بغداد، وصعود التطرّف الشيعي سياسيا، وقد كتبت مقالا في هذا الشأن من قبل: http://m.aawsat.com/home/article/121271كما فشلت محاولات مهمة لإقامة نظام مركزي، من خلال الاستفتاء الشعبي على الدستور والانتخابات، وبدلا من الانخراط فيها حاربها الجهلة ودعوا لمقاطعتها، فضيعوا حقوقهم الدستورية وحصصهم البرلمانية، ولا يزالون يعانون منها إلى اليوم.أما العرب الذين احتفلوا هذه الأيام بتقرير «شيلكوت» البريطاني، فهم لا يفهمون نظام المراجعة والمحاسبة في الثقافة الغربية، ويريدون استخدامه لتعليق فشلهم على الغير. ولا عجب أن هذا ديدنهم، فبدلاً من القراءة الموضوعية للأحداث يلجأون للوم والانتقام، صفتان مستمرتان في الثقافة العربية منذ «معركة الجمل»، من 14 قرنا وحتى اليوم!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

للذين احتفلوا بتقرير «شيلكوت» للذين احتفلوا بتقرير «شيلكوت»



GMT 06:21 2016 الجمعة ,15 تموز / يوليو

تركيا أخر محطات "الإخوان"1-2

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia