«قتل» خاشقجي إعلامياً

«قتل» خاشقجي إعلامياً

«قتل» خاشقجي إعلامياً

 تونس اليوم -

«قتل» خاشقجي إعلامياً

بقلم - عبد الرحمن الراشد

بالإضافة إلى العسكرية، تموج المنطقة بالمزيد من المواجهات، امتداداً للصراع المستمر منذ نحو سبع سنوات في أعقاب ما يعرف بـ«الربيع العربي». فبراكين المنطقة لا تزال مضطربة ولم تنتهِ حممها. تبدو لنا مثل أزمات متفرقة عابرة، لكنها تتكرر في سياق مستمر، بين الحكومات، بعضها البعض، وبينها وبين التنظيمات الحركية، كل ذلك ضمن شد وجذب يهدف إلى تغيير الوضع القديم أو وقف التغيير الجديد على الأرض. والحقيقة، ليس مستغرباً استهداف حكومات في المنطقة تقود التغيير الذاتي، مثل المملكة العربية السعودية، لكن التغيير عملية صعبة؛ لأنها تحاول أن تقتلع أفكاراً متجذرة وثقافات شائعة وهياكل كبيرة. الزميل جمال خاشقجي قتل، حتى لو ظهر حياً بسبب استخدامه من رصاص المعركة الإعلامية، والذين يرفعون قميصه أقل الناس اهتماماً به؛ فالهدف في الرياض.
ومن كان يظن أن إلغاء أو تهميش تنظيم الجماعات الحركية سيتم بسلاسة يكتشف اليوم صعوبة ذلك؛ لأنها موجودة وشرسة، وتعيد انتشارها في المنطقة. فالملتزمون بحركة «الإخوان المسلمين» على سبيل المثال فرّ بعضهم إلى تركيا وقطر، وصاروا يستخدمون امتداداتهم في أوروبا والولايات المتحدة بعد أن عطلت جزئياً قدراتهم في مصر ودول الخليج، وضُيّق عليهم في تونس والمغرب، ولجأت البقية للعمل تحت الأرض. عدا عن «الإخوان» هناك بقايا المدارس الفكرية، والتنظيمات التي تعيد ترتيب أوضاعها وفقاً لما بعد تبدلات «الربيع العربي». هذه لا تنتهي، بل تختفي أو تتموضع.
جمال ضحية الحرب القائمة في المنطقة، معركته امتداد لسلسلة معارك إعلامية وسياسية، كلٌ يريد استغلالها في «قضيته». في أزمة اختفاء خاشقجي الهدف الأخير استخدامها لتصوير الحكومات، والسعودية هنا تحديداً، على أنها شريرة، كوريا شمالية جديدة أو روسيا، وغيرها مما تم تصنيفه سابقاً. والهجوم هنا على السعودية لأنها أكثر دولة سارت خطوات جريئة وبعيدة في الإصلاحات الداخلية، وتواجه قوى معارضة واسعة لها في المنطقة برمتها. لا يمكن النظر إلى هذه الأزمات المتكررة بأحجام مختلفة إلا على أنها معركة سياسية وإعلامية واسعة.
في مثل هذه التحديات، هل يمكن تقليم القوى الفكرية والتنظيمية في المنطقة إلى آخر الطريق الصعبة؟ لا بد أن ندرك أن عملية إزاحة البناء الفكري والتنظيمي المتشدد في المنطقة، الذي شيد على مدى أكثر من أربعة عقود ليست بالسهلة، وستكون أصعب مع تقادم الأيام.
استهداف السعودية متوقع لأنها الدولة القاطرة التي تقود عملية التغيير، التي ستمس مساحة جغرافية وبشرية شاسعة من إندونيسيا إلى كاليفورنيا، وتعيد صياغة مفاهيم سياسية ودينية معتدلة على حساب النظام القديم في المنطقة الإسلامية. ستزدحم الشاشات بأخبار أخرى، حيث تستخدم الحوادث والقضايا لتشويه وجه النظام العربي الجديد المضاد للقديم. المزيد من المواجهات النوعية المقبلة ستقوم على خلق صورة عامة عربية أو دولية ضد الفكرة نفسها، تقول إن مشروع التحديث مبالغ فيه، وهو ليس إلا عملاً شخصياً لحكم فردي، أو أن التحديث لا يكفي وأقل مما هو منتظر، مستشهدين بالعقبات المستمرة والموروثة، وكذلك الخلط بين ممارسات الأفراد والحكومات. لنعترف بالحقيقة، وهي أن الخروج من الوضع القديم لن يكون بلا ثمن.
واختفاء خاشقجي بذاته قضية تستحق التمعن، فهي من جانب إنساني وأخلاقي مرفوضة، وإن كان مقتولاً، بحسب الدعاية القطرية - التركية، فإنها تصبح جريمة دولية. حالياً يتم تحويلها إلى معركة ضد المشروع السعودي الجديد، الذي كسب في سنتين حماساً عالمياً كبيراً له؛ لأنه واضح في فكرته وجريء في خطواته، وبدأ العمل فيه، يهدم ويبني ويسير إلى الأمام. من المتوقع محاولة استخدام الأزمات للتشكيك في المشروع وتعطيله، وقلب الرأي العام الدولي، وبخاصة من أعلنوا أنهم يؤمنون به ويتحمسون له، كما نرى في الإعلام الغربي خلال التعاطي مع أزمة خاشقجي. التغيير معركة كبيرة نحن نرى على جبهتين، من تعهد بالتغيير ولن يسمح بالوقوف في طريقه، وهناك من أقسم على إفشال مساعي التغيير بالعمل على تحديه وتشويه صورته وبناء تجمع مضاد له.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«قتل» خاشقجي إعلامياً «قتل» خاشقجي إعلامياً



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:11 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان الخميس29 -10-2020

GMT 14:42 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

أفكار جديدة وملفتة لديكورات ربيع 2019

GMT 15:25 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

انتحار طالب داخل لجنة للثانوية العامة في الغربية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia