الخيارات الصعبة 2  2

الخيارات الصعبة "2 - 2"

الخيارات الصعبة "2 - 2"

 تونس اليوم -

الخيارات الصعبة 2  2

عبد الرحمن الراشد

بالتأكيد استخدام القوة هو أسوأ الخيارات، لكن الأسوأ منه عدم التلويح به عند الحاجة. فالقوة عامل ردع للأنظمة والجماعات التي لا تؤمن باحترام القانون الدولي، فالمظهر أهم من الحقيقة. النظامان، في إيران وسوريا، قرآ سلوك الولايات المتحدة بالعاجز، منذ أن شعرا بأن الانكفاء هو سياسة الرئيس باراك أوباما، وبعدها تجرأ على إشعال الحرائق في المنطقة، وكذلك انطلقت «القاعدة» تبني خلايا في كل مكان من أفغانستان إلى جنوب الصحراء الأفريقية!
دائما، إيران كانت نظاما صعبا، والرئيس الأميركي الوحيد الذي أدرك طبيعة النظام كان رونالد ريغان، حيث استمر يستخدم لغة الوعيد نفسها التي كانت القيادة في طهران تتكلم بها. ولم يتردد في إرسال قواته للخليج، ولم تعد تتجرأ القوات الإيرانية على ترك حظائرها البحرية. وحتى عندما جرب ريغان فتح قناة اتصال سرية، التي عرفت بفضيحة إيران غيت، استمر يوجه مدافع بحريته أمام السواحل الإيرانية.
تلاه الرئيس جورج بوش الذي انشغل بمواجهة الخطر المفاجئ؛ صدام حسين الذي احتل الكويت. الرئيس بيل كلينتون انتهج حلا وسطا؛ الكثير من الوعيد والقليل من إطلاق النار، باستثناء موقفه الشجاع في البوسنة. لكن في ثماني سنوات من تساهل كلينتون ولد وترعرع تنظيم القاعدة، وزادت نشاطات إيران وحزب الله الإرهابية. رده كان دعائيا؛ ضربات بعيدة غير مؤثرة لـ«القاعدة» في أفغانستان والسودان. أما الرئيس جورج دبليو بوش، فقد أطلقت هجمات «القاعدة» في 11 سبتمبر كل ما فيه من غضب دون حساب. كان حريصا أن يعرف خصومه أنه مقاتل شرس، وتعمد تسريب تهديداته لرئيس اليمن السابق، علي عبد الله صالح، الذي جاءه البيت الأبيض ليتوسط للرئيس العراقي صدام حسين، قائلا إنه مثل قط محاصر في زاوية، فرد عليه بوش بأنه كلب مسعور، و«نحن نقتل الكلاب المسعورة»، وطلب من صالح أن يسلم مطلوبين من «القاعدة»، مهددا بأنه إن لم يفعل، فستأخذهم القوات الأميركية بالقوة. وبالفعل سلمهم فورا. غلطة بوش أنه تمادى في إطلاق النار في كل الاتجاهات، حتى تكالبت عليه القوى المختلفة، وأغرقته في العراق وأفغانستان.
الرئيس أوباما فور توليه الرئاسة دخل غابة الشرق الأوسط رافعا غصن الزيتون، جاء واعظا للمحبة والسلام مرتديا ثياب المسيح، النتيجة أن أشقياء المنطقة حولوها إلى فوضى بشكل لم نعرف له مثيلا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية!
السياسة الأميركية تجاه إيران ظلت دائما لغزا غامضا، إلى درجة أن وزير الدفاع السابق غيتس اختلف مع وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، اختلف الوزيران عندما جاءا إلى السعودية في وفد كبير. وقد ذهل الجانب السعودي عندما شاهد غيتس مع رايس يختلفان حول سياسة حكومتهما ضد إيران؛ رايس قالت إنهم سيذهبون إلى حد قصف مفاعلات إيران، ورد غيتس عليها: «هذا كذب، لن نفعل». وانفض الاجتماع كل يركض يتصل بالبيت الأبيض يشتكي الآخر!
وبين سياسة التدخل حتى التوغل في عهد بوش، وسياسة السلام حتى الاستسلام في عهد أوباما، نرى كيف تؤثر الخيارات الرئاسية الأميركية على سلوك الأنظمة في المنطقة والعالم؛ فمنذ تسلم أوباما الرئاسة، أصبح الرئيس السوداني الملاحق دوليا لا يبالي، يسافر حيث يشاء بلا خوف من ملاحقته في جرائم دارفور. وتجرأ الأمين العام لحزب الله على الظهور من مخبئه للمرة الأولى منذ 20 عاما. وعادت «القاعدة» للعراق تنشط في وضح النهار. ولم يتردد الرئيس السوري في استخدام الأسلحة الثقيلة في قصف شعبه، واستخدم أيضا السلاح الكيماوي لأول مرة منذ جريمة صدام في حلبجة في الثمانينات في العراق. وانتشر سرطان «القاعدة» سريعا إلى ما وراء البحر الأحمر، وحتى حدود مالي!
نحن نتفهم موقف الرئيس أوباما. إنه يرفض التضحية بمواطنيه للقتال نيابة عن غيره في المنطقة. إنما الولايات المتحدة ليست السويد؛ فهي قوة عظمى لها مصالح كبرى، وتقاتل دفاعا عن أمنها أيضا. فإذا فقدت السيطرة على منطقة الشرق الأوسط تفقد تأثيرها على السوق العالمية للغاز والنفط، وسيصل خطر الإرهاب إلى داخل الولايات المتحدة.
لطالما كانت الخيارات الأميركية دائمة صعبة في المنطقة، وقد كان الأميركيون ينتهجون سياسة الأحلاف أيام الحرب الباردة، ثم تبنوا سلاح الردع لتخويف الخصوم من تجاوز الخطوط الحمراء. كانت هذه أرخص السبل وأكثرها نجاحا، إذا قورنت بالتدخل الكامل أو الانكفاء الكامل. والغريب أن الأميركيين في الشرق الأوسط يملكون قواعد ضخمة، معظمها مدفوع الثمن من دول المنطقة، بخلاف قواعدهم في بقية العالم، ومع هذا يرفضون التمسك بسياسة الردع في التعامل مع الدول المتمردة.

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيارات الصعبة 2  2 الخيارات الصعبة 2  2



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مراهق فلبيني يدخل فرّامة كفتة لتنتهي حياته

GMT 20:36 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أفضل أنواع وتصميمات الأحذية الرياضية وطرق العناية بهما

GMT 05:00 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تعيين أول مسؤول في إدارة بايدن

GMT 05:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

نظام غذاء سري لأكبر أنواع أسماك القرش في العالم

GMT 06:08 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعزز صدارته بفوز شاق على شيفيلد يونايتد

GMT 12:01 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

رونار وفكر الثوار

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 10:09 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

Isuzu تتحدى تويوتا بسيارة مميزة أخرى

GMT 18:28 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

مجلس الشعب السوري ينفي إصدار بطاقات هوية جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia