هل يُمكِنُ أن يُصبِحَ لبنان دولةً مُحايِدة في الشرق الأوسط

هل يُمكِنُ أن يُصبِحَ لبنان دولةً مُحايِدة في الشرق الأوسط؟

هل يُمكِنُ أن يُصبِحَ لبنان دولةً مُحايِدة في الشرق الأوسط؟

 تونس اليوم -

هل يُمكِنُ أن يُصبِحَ لبنان دولةً مُحايِدة في الشرق الأوسط

مايكل يونغ*
بقلم مايكل يونغ*

في الأسابيع الأخيرة، احتلَّ البطريرك الماروني بشارة الراعي مركز الصدارة في الحياة السياسية اللبنانية. يأتي ذلك في الوقت الذي لا يزال مَن هم في السلطة غير قادرين على التوصّل إلى اتفاقٍ على حكومة جديدة، رُغمَ أن لبنان يُعاني من انهيارٍ مالي واقتصادي أدى إلى انتشار العوز والفقر.

منذ أشهر عدة والبطريرك الراعي يخوض حملةً للبدء بعملية تأمين وضمان حياد لبنان. وفي الآونة الأخيرة، وسّع مطالبه، مُطالباً بعقد مؤتمرٍ للأمم المتحدة للمساعدة في كسر الجمود في البلاد. في هذا المؤتمر المُقتَرَح، سيُعلِن المشاركون حيادَ لبنان “فلا يعود ضحية الصراعات والحروب، وأرض الانقسامات”، كما أعلن البطريرك أخيراً في اجتماع حاشد تأييداً لاقتراحه. وليس من المستغرب أن يرى “حزب الله” أن مبادرة البطريرك مُوَجَّهة بالدرجة الأولى ضده وضد تحالفه مع إيران. وفي كلمة ألقاها في شباط (فبراير) الفائت، رفض الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، تدويل الوضع اللبناني، بينما ابتعد حليفه الرئيس ميشال عون من البطريرك الراعي. ومع ذلك، فإن أفكار البطريرك تروق لكثيرٍ من اللبنانيين، الذين يعتقدون أن المجتمع الدولي سيكون أفضل بكثير بالنسبة إلى مساعدة لبنان من “الكارتل” الفاسد والفاشل الموجود في السلطة.

يبدو أن هناك العديد من الأشياء التي تُحفّز البطريرك على اتخاذ مثل هذا الموقف العام الجريء. الأول هو أن الأزمة في لبنان تؤدّي إلى نزوحٍ جماعي للبنانيين، وكثير منهم من المسيحيين. كما يبدو أن النظام غير قادرٍ على إصلاحِ نفسه لدرجةٍ أنه من غير المرجح أن يعود أولئك الذين يغادرون إلى البلاد. بالنسبة إلى الكنيسة المارونية التي شهدت انخفاضاً حاداً في أعداد المسيحيين خلال الحرب الأهلية 1975-1990، فإن تجنّب مثل هذا الاتجاه له أهمية وجودية. وهذا ما دفع العديد من المراقبين إلى الإيحاء بأن البطريرك الراعي ما كان ليبدأ حملته بدون تشجيعٍ من الفاتيكان. سواء كان هذا صحيحاً أم لا، فإن رحلة البابا فرانسيس إلى العراق في الأسبوع الفائت أظهرت بالتأكيد مدى أهمية استمرار وجود المسيحيين في الشرق الأوسط بالنسبة إلى الكنيسة الكاثوليكية.

هناك سببٌ واحدٌ مُهَيمن، بخلاف التدخل المُحتَمل للفاتيكان، يُفسّر جهود البطريرك الراعي. لقد لعبت الكنيسة المارونية دوراً حيوياً في الدفع باتجاه إقامة لبنان الكبير بعد الحرب العالمية الأولى. وقد اعتبر رجال الدين فيها دائماً أن البطريرك لا يلعب فقط دوراً كنسياً، بل هو وصيّ أساسي على الأمّة اللبنانية ووجودها ككيان ذي سيادة.

في سنواتِ الوجود العسكري السوري، كان سلف البطريرك الراعي، الكاردينال نصرالله بطرس صفير، مُعارضاً شرساً وقوياً حيث هاجم وانتقد بشدة الهيمنة السورية على البلاد. وبينما وصل البطريرك الراعي إلى منصبه مُتعاطفاً مع عون، إتّخذ أخيراً موقفاً أكثر عدائية بالنسبة إلى اتجاه البلاد، ويرجع ذلك أساساً إلى خيارات “حزب الله”. وبهذه الطريقة، ألمح إلى مخاوفه الضمنية بشأن تحالف رئيس الجمهورية مع الحزب.

وأكدت مبادرة البطريرك الراعي أنه لا يزال هناك مكانٌ في لبنان يتّسع للسياسة خارج قبضة “حزب الله”. لقد كافح الحزب للاحتفاظ بالسيطرة على النظام منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2019، عندما انتفضت أعداد كبيرة من اللبنانيين ضد النظام السياسي والاقتصادي للبلاد، مُستنكرين ومُدينين الطبقة السياسية. حاول “حزب الله” إحباط تلك الاحتجاجات إذ أنها هدّدت النظام السياسي الذي كان يحميه. ومع ذلك، يجد نفسه اليوم أنه يخوض معركة خاسرة.

إن “حزب الله” عالقٌ بين الوفاء بعقده مع إيران في البقاء على استعداد لمحاربة إسرائيل، والعلاقات مع الرئيس عون، الذي يحاول فرض شروطه على حكومة جديدة وبالتالي منع تأليفها فعلياً، وغضب اللبنانيين الذين باتوا على وشك الانهيار الاجتماعي مع هبوط العملة الوطنية. داخل مناطق “حزب الله” ، فشل الحزب في ضمان الأمن، حيث تتزايد الجريمة وتقاتل القبائل المُتنافسة المُدَجّجة بالسلاح بشكل مُتكرر ضد بعضها البعض.

في حين أن “حزب الله” يظل بالتأكيد الحزب المُهيمن في لبنان، فإن قدرته على السيطرة على نظام طائفي مُحمّل بالتناقضات المتزايدة محدودة. كان الحزب قادراً على استخدام مؤسسات الدولة، مثل الجيش، للحفاظ على النظام، لكن الدولة في حالة من الفوضى لدرجة أن هذه الروافع لم تعد مُتاحة بسهولة. لهذا رأى البطريرك فرصةً لتقديم روايته البديلة.

هل يُمكن أن ينجح اقتراحه؟ لا تكمن قيمته في هذه المرحلة في أنه سيتم تنفيذه، بل أنه يقوم بأمرين مُهمَّين آخرين.

أوّلاً، يُظهر أن مؤسسة مركزية في المجتمع اللبناني، الكنيسة المارونية، تُدرِك أن القيادة الحالية لا يُمكنها الإصلاح ولا تقديم مشروع دولة قابل للحياة لا ينطوي على الخضوع لمصالح قوة إقليمية خارجية. ثانياً، يؤكد أن الأحزاب المارونية التي تفشل في وضع سيادة لبنان ورفاهه فوق كل القضايا الأخرى ستُمثّل عدداً أقل وأقل من المسيحيين مع تدهور الوضع. هذه تسديدة أو ضربة ضد الرئيس عون وصهره جبران باسيل، اللذين وقفا إلى جانب “حزب الله” لتعزيز مصالحهما، بغض النظر عن الضرر الذي ألحقه ذلك بلبنان. من حهته، سعى “حزب الله” إلى الحوار مع البطريرك الراعي، بينما تجنّب أن تبدو مبادرته وكأنها موجهة ضد الحزب. ومع ذلك، يبدو أن “حزب الله” يأخذ اقتراح البطريرك على محمل الجد لدرجة أنه سعى إلى القضاء عليه في مهده. ولكن، من غير المرجح أن يتراجع بطريرك الموارنة، لأن الوضع في لبنان حرجٌ وخطيرٌ للغاية.

 

مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
كَتَبَ الكاتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يُمكِنُ أن يُصبِحَ لبنان دولةً مُحايِدة في الشرق الأوسط هل يُمكِنُ أن يُصبِحَ لبنان دولةً مُحايِدة في الشرق الأوسط



GMT 14:07 2021 السبت ,27 آذار/ مارس

اللغة خلف الزجاج

GMT 14:05 2021 السبت ,27 آذار/ مارس

تعديل الدستور مقابل الصواريخ

GMT 13:39 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

"فتح" لم تكن موحّدة يوما...

GMT 13:36 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

خارج الأرض... خارج الموضوع

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia