تعديل الدستور مقابل الصواريخ

تعديل الدستور مقابل الصواريخ

تعديل الدستور مقابل الصواريخ

 تونس اليوم -

تعديل الدستور مقابل الصواريخ

بقلم : علي شندب
بقلم : علي شندب

أضفى التصريح المكتوب الذي أدلى به السفير السعودي في بيروت وليد بخاري عقب لقائه الرئيس اللبناني ميشال عون، على زيارته لقصر بعبدا أهمية ضاعفت من مفاجأة الزيارة التي تأتي في لحظة سياسية حرجة. ورغم أن تصريح بخاري تعبير عن موقف السعودية المعروف ومقاربتها المعلنة والواضحة للعلاقات مع لبنان والقائمة على "احترام سيادته وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والتمسك بالقرارات الدولية 1559، 1680 و1701"، التي تدعو إلى حل جميع الميليشات اللبنانية ونزع سلاحها، وترسيم الحدود اللبنانية السورية سيما في مزارع شبعا، بالإضافة إلى بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. لكن النقطة البارزة التي جحظها السفير بخاري وغيبها الإعلام الرئاسي تشديده "أن اتفاق الطائف هو المؤتمن على الوحدة الوطنية وعلى السلم الأهلي في لبنان".

اتفاق الطائف الذي لم يعد سرّا أنه بات ضمن دائرة التصويب والاستهداف الذي أضحى في صلب استراتيجية حزب الله المضمرة سابقا نفسها، وبات "تعديل الدستور"، دستور اتفاق الطائف هو بيت قصيد الاستراتيجية الحزبلّاهية. فقد كشفت الوقائع السوريالية التي كان مسرحها قصر بعبدا المشهد الثامن عشر من مسرحية تشكيل حكومة بلد يعج بالأزمات التي تناسل منها "أزمة حكم" وليس فقط أزمة تشكيل حكومة.

أزمة بيّنت من خلال الرسائل التي نشرها الرئيس المكلف سعد الحريري أن رئيس الجهورية ووريثه غير البيولوجي جبران باسيل يريدان تحويل موقع رئاسة مجلس الوزراء الى أقل من "باش كاتب"، وكأنه تلميذ مرحلة ابتدائية عليه أن يردّد وراء المشيرين على وكيل نصرالله في قصر بعبدا "ألف باء وبوباية، قلم رصاص ومحاية".

عند هذا الحد كبّ الحريري "سطل الحليب"، ونشر مراسلات رئيس الجمهورية التي تطلب منه أن يعبئ الفراغ بالكلمات المناسبة. إنه الفراغ الذي خبره اللبنانيون جيدا خصوصا عندما عبأ كرسي الرئاسة الأولى لنحو سنتين، قبل أن يملأه حسن نصرالله بميشال عون الذي ما زال ينتظر رغم مشارفة عهده على الأفول، أن يشكل حكومة عهده الأولى التي تكون فيها وظيفة رئيس الحكومة تعبئة الفراغ، أي باختصار العودة الى ما قبل دستور الطائف.

وعند هذا الحد تبرز استراتيجية نصرالله في تعديل الدستور، التي مرّرها عرضيا في خطابه الأخير من زاوية معالجة الثغرات التي تكتنف الدستور. وهنا يبرز التطابق بين حزب الله والتيار الوطني الحر حيال تعديل الدستور كل لأسبابه.

ففيما أن سعي عون وفريقه السياسي للتعديل يستبطن هدفين مزدوجين. الأول، الانتقام والثأر بأثر رجعي من أطراف الطائف ورعاته وخصوصا السعودية. الثاني، استعادة صلاحيات رئاسة الجمهورية (التي جعلها الطائف بيد مجلس الوزراء مجتمعا)، المغلفة شعبويا باستعادة حقوق المسيحيين.

فإن سعي نصرالله يستبطن ايضا هدفين مزدوجين. الأول، تشديد قبضته الممسكة بتلابيب تكوين وإدارة السلطة دستوريا، سياسيا، تشريعيا، ماليا، قضائيا، أمنيا وعسكريا. الثاني، وهو الأهم دسترة نفوذه كصانع ومكون للسلطة والدولة وضمنا دسترة قوته وفوائضها الأمنية والعسكرية والاقتصادية.. الخ.

أزمة الحكم والحكومة التي كشفت عن نفسها، تعطي وجاهة لزعيم حزب الله لدى جمهوره الذي يهتم نصرالله كثيرا لاهتزاز صورته أمامه. لهذا فهو يدأب دائما على اظهار نفسه وحزبه بمظهر القوة الغالبة التي لها القدم ما فوق العليا على اللبنانيين بغض النظر عن سياسات التجويع والافقار الممنهج والافلاس المدروس التي اقترفتها منظومة المال والسلطة والسلاح بحق لبنان واللبنانيين.

لكن زعيم حزب الله يعلم بأن اتفاق الطائف أقر بعد حرب أهلية متمادية في الزمن قتل فيها نحو 250 ألف لبناني، ولم يكن نتيجة ترف ديمقراطي لفقهاء القانون الدستوري، كالذين يقدمون الفتاوى الخرقاء لساكن قصر بعبدا. ترى ألهذا بشرنا نصرالله بحرب أهلية ولو من باب تحذيره من سعي جهات لها، وهل تبشيره بالحرب الأهلية لقناعته بأن اللبنانيين بعد 17 تشرين التي عرّت وفضحت وكشفت بالوقائع الدامغة منظومة الفساد والمال والسلطة والسلاح، قد شقّت عصا الطاعة على المومياءات التي تحكمها وتتحكم بها، فكان لا بد من إشهار سيف التهديد بالحرب الأهلية؟

أغلب الظن أن شخصا مثل نصرالله لا يلقي كلامه على عواهنه، سيما وأن لكلامه مفاعيل سياسية وقانونية ودستورية وأمنية وعسكرية داخليا. أما خارجيا فلم يعد سرّا بأن كلام نصرالله بات مستنسخا من كلام قادة إيران وصواريخها الصوتية القادرة على "تدمير إسرائيل خلال 7 دقائق ونصف"، وعندما دقت ساعة الحقيقة بوجه إيران (وأذرعها الذين يتعرضون لقصف الطيران الإسرائيلي، الذي ولكثرة تكراره بات أشبه بالاغتصاب الجماعي)، قالت إيران "إن الظروف غير مؤاتية لتدمير إسرائيل". لكنها مؤاتية لتدمير العراق ولبنان وغيرهما، بحسب وزير الدفاع الإيراني الذي اعتبر "احتجاجات البلدين معادية لإيران".

الصواريخ التي أخبرنا نصرالله لسنوات أن مدياتها تصل الى ما بعد ما بعد حيفا، وإذ به يوافق على طلب روسيا بسحبها والانسحاب معها من سوريا. وإذ به أيضا يقول بأن الحرب الأهلية لا تحتاج للصواريخ البعيدة والقريبة، بل تحتاج الى البنادق الصغيرة والرشاشات المتوسطة وقذائف الار بي جي، وهي متوفرة لدى الجميع. ربما أراد نصرالله بتعداده لأسلحة الحرب الأهلية محاولة إخفاء الصدأ الذي تمكن من صواريخ ما بعد بعد حيفا تحديدا.

من هذه الزاوية ينبغي قراءة المشهد الذي يلف لبنان، والصراع على جنس شياطين الحكومة الموؤودة بفعل تحالف "الانتقام والثأر واستعادة الصلاحيات"، مع "تشديد القبضة ودسترة فوائض القوة" التي لن تكون الصواريخ من ضمنها بفعل الفيتو المزدوج الروسي- الاسرائيلي عليها.

عند هذا الحد من لعبة الروليت الروسية، نجح زعيم حزب الله عبر مبالغته في التهويل والتخوين والتهديد برفع الاصبع كما في تحويل المقاومة، من "قوة حامية الى قوة باغية"، مقاومة كانت محتضنة من غالبية اللبنانيين الذين باتوا بفعل سياسات حزب الله ويخشون بغيها ويتوجسون من تغولها، بعدما كانوا يحبونها ولا يخافونها، ويمدوها طوعا لا كرها بكل أسباب القوة المجتمعية.

وسط هذه المشهدية العونية الحزبلاهية، التي دفنت في طريقها المبادرة الفرنسية التي يحاول صاحبها ماكرون الباسها ثيابا اوروبية، سيما بعد تأكيد حركة أمل برئاسة نبيه بري تمسكها بحكومة اختصاصيين وفقا للمبادرة المذكورة، فإن الاشتباكات السياسية والاعلامية الساخنة على جبهة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف انعكست انخفاضا في سعر الليرة، واحباطا بين اللبنانيين وحراكات احتجاجية متنقلة ضاعفت من حجم قلق اللبنانيين على يومهم ومستقبلهم.

هذه التطورات البالغة السلبية زادت من توجس البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي تلقى مطلبه بانعقاد مؤتمر لتثبيت وجود لبنان ومنعه من التلاشي والزوال، ذخيرة سياسية من الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش. كما وشت بتعبئة القطيعة للفراغ في الحكم والحكومة لآخر أيام عون الرئاسية، الا إذا أفلحت الجهود الدولية والعربية لا المحلية في تأمين مساكنة جديدة بين ميشال عون وسعد الحريري، سيما وأن بديل المساكنة والخروج من جهنم التي فتح أبوابها ساكن القصر معادلة جديدة مفادها "اعتذار الرئيس المكلف مقابل استقالة رئيس الجمهورية"، إنها المعادلة الإنقاذية كما طرحتها 17 تشرين عبر مقولتها الخالدة "كلن يعني كلن" التي لا تجدي الصواريخ في مواجهتها.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعديل الدستور مقابل الصواريخ تعديل الدستور مقابل الصواريخ



GMT 07:40 2021 الثلاثاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لا 99 ولا 100

GMT 10:52 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الصين جزء من المشكلة لا من الحلّ

GMT 10:49 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حاكم العراق يقلِّب جمرتين

GMT 10:47 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

بيان تعليق عضوية

GMT 09:34 2021 السبت ,09 تشرين الأول / أكتوبر

السادة المبعوثون

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia