بقلم: سمير عطا الله
شهد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 واحداً من أسوأ الأعمال الإرهابية في تاريخ البشرية، في الشكل والقصد: استخدام مدنيين أبرياء في قتل مدنيين آخرين. وكان لا بد لدولة كبرى من الرد، أولاً أمام شعبها، وثانياً أمام أعدائها، وإلا فقدت هيبتها أمام الجميع. كذلك كان لا بد أن يأتي الرد سريعاً ولا يُنسى.
لم يكن. الآن بعد عشرين عاماً على المقتلة الرهيبة، يرى الأميركيون ومعهم الحلفاء، أن ردّ جورج بوش الابن، كان خطأ متسرعاً وغير فعّال. وها هو جو بايدن ينسحب من أفغانستان وتورا بورا دون تحقيق شيء، وها هو العراق قضية مستمرة بلا حلول قريبة.
ربحت أميركا الحروب العالمية وحسمتها، وربحت الحرب الباردة، لكن جورج دبليو بوش أدخلها في متاهات العقم السياسي. هو نفسه كان بلا خبرة أو موهبة، ورجال المشورة من حوله، كانوا ذوي مواهب محدودة وخبرة قليلة، ولذلك انعكس الانتقام عملية خاطئة هو الآخر، لولا نجاح إدارة أوباما في الثأر من بن لادن شخصياً.
ما عدا ذلك ورطة في العراق، وورطة في أفغانستان. تماماً عكس ما حدث بعد الانتقام من اليابان وألمانيا، وتحولهما إلى حلفاء وإلى تجربة عمران لا مثيل لها. هنا تبرز دائماً أهمية العقول والرجال. بعد الحرب أرسلت أميركا إلى أوروبا جورج مارشال يعمّرها من جديد، بينما أرسل جورج دبليو إلى العراق بول بريمر بالحذاء المطاطي يحل الجيش العراقي، ويحوّل فقراءه إلى «داعش»، ويزرع الفوضى، ويخلق في العراق حالة عصيبة امتدت إلى الإقليم.
لطالما ارتبط سلام الشعوب وحروبها بقرار رجل واحد. قرار جو بايدن كان مرتبطاً إلى، حدٍ بعيد، بقرار جورج دبليو. وموقف أميركا في العراق اليوم نتيجة لخفّة الرواية البوليسية التي وضعها دبليو وأركانه حول الأسلحة النووية. هكذا يكتب التاريخ ما بين رجل وآخر. وليس بين مرحلة وأخرى. في 28 سبتمبر 1961 وضعت مسؤولية تفكيك الوحدة المصرية – السورية على المشير عبد الحكيم عامر. وفي 1967 وضعت مسؤولية النكسة على المشير نفسه. وعندما دخلت مصر في بلبلة ميدان التحرير والمرحلة الانتقالية، حفظ سلامتها مشير من نوع آخر، هو محمد حسين طنطاوي.
الرتبة لا تضع المرتبة. والرجل يصنع المنصب، وليس العكس. تاريخ أفريقيا لم يصنعه الإمبراطور سيسي سيكو، ولا الإمبراطور بوكاسا، بل السجين مانديلا، رجل الدولة.
للدول حظوظ مثل الأفراد. وهنيئاً للشعوب سعيدة الحظ. والفارق بين رجل وآخر صنع الفرق بين زمن وآخر.