سليمان جودة
أوروبا كلها كانت على موعد هذا الأسبوع مع موقف من استباحة اليمن التي لا بد أن تكون لها نهاية، ولكنه موقف يحتاج إلى شيئين اثنين؛ أولهما ترجمته كموقف إلى شيء عملي على الأرض يخدم البلاد ويخدم أبناءها من عموم اليمنيين، وثانيهما التعامل مع الأصل الذي يستبيح اليمن السعيد، لا الظل الذي يحركه الأصل من مكانه ومكمنه في طهران!
أوروبا كانت على موعد مع هذا الموقف، عندما قال مايكل آرون، السفير البريطاني لدى اليمن، في حديثه مع هذه الصحيفة صباح الأحد، إن بلاده ترغب في رؤية الرئيس اليمني في العاصمة صنعاء، ولا ترغب في رؤية وجود عاصمة مؤقتة!
ثم كانت عواصم الاتحاد الأوروبي على موعد مع الموقف نفسه في اليوم التالي، عندما قال الدكتور معين عبد الملك، رئيس الوزراء اليمني، إن سفراء الاتحاد سيزورون عدن قريباً، وإن زيارتهم ستكون على سبيل الدعم للحكومة اليمنية التي تمارس عملها من هناك. صحيح أن الزيارة لم يتحدد موعدها، وصحيح أن أحداً لا يعرف متى يمكن أن تتم، وصحيح أنها لا تزال مجرد فكرة مطروحة، ولكنها ستحمل «رسالة» قوية إلى حكومة المرشد علي خامنئي في إيران حين تتم!
والحقيقة أن الموقف البريطاني الذي بدا في حديث السفير آرون، موقف جيد في حد ذاته، لأنه في الوجه الآخر منه يرى في صنعاء مكاناً طبيعياً للرئيس هادي منصور وحكومته، ويرى في وجود الحكومة في عدن في الجنوب أمراً خارجاً عن طبيعة الأشياء، ثم يرى في الوجود الحوثي في صنعاء مسألة غير مقبولة، واعتداءً على عاصمة البلاد وتسخيراً لمواردها في غير صالح أهلها!
وكذلك الموضوع بالضبط في الزيارة التي سيقوم بها سفراء الاتحاد إلى عدن، ففي الحالتين، الحالة البريطانية والحالة الأوروبية، اعتراف بأن موقع الحكومة الطبيعي هو في صنعاء، وأن وجودها في عدن هو استثناء لا يجب البناء عليه!
وحين جرى استهداف الرياض بصاروخ في هذا الأسبوع ذاته، فشل الاستهداف كما فشلت استهدافات جاءت سابقة عليه، ولكن الشيء الثابت في خلفية الاستهداف أن جماعة الحوثي كانت مجرد أداة فيه، كما كانت أداة في كل الاستهدافات السابقة، وأن الذي زوّدها بالصاروخ هو الطرف الإيراني الذي لا يُخفي علاقته بالحوثي، ولا يُخفي يده الممدودة إليه بالسلاح، بل يصل التبجح السياسي به في عدم إخفاء هذه العلاقة إلى حد تعيين سفير إيراني يمثّله لدى الجماعة!
وإذا كانت الإدانات قد انطلقت من كل اتجاه ترفض استهداف العاصمة السعودية وتشجبه بأشد العبارات، فإن ذلك لم يعد يكفي في حقيقة الأمر، ولم تعد مثل هذه العبارات قادرة على ردع جماعة الحوثي، ولا على دفعها إلى الكفّ عمّا تمارسه في أرض اليمن!
لم يعد الشجب كافياً، ولا الإدانة كافية، ولا أصبح الرفض مجدياً في وقف هذا العبث الحوثي الذي لا يتوقف عند حدود تبديد موارد البلد، ولا يقف عند حد إهدار كل قيمة يمنية، ولكنه يتمادى فيعتدي على الرياض التي لا هدف لها سوى إنهاء هذا كله، وسوى إعادة اليمن وطناً لليمنيين لا يشاركهم فيه أحد، ولا ينازعهم في ثروات أرضه طرف آخر في الإقليم!
كلنا يذكر أن جماعة الحوثي لا تكاد توقِّع على اتفاق في اليمن إلا وتسارع إلى التنصل منه في اليوم التالي، وإلا وتبادر إلى عدم الالتزام به بعدها بساعات أو بأيام، ولا يكون هذا في كل الأحوال إلا لأن أمرها ليس في يدها كما قد تبدو في الصورة أمامنا، فالتعليمات تأتيها من إيران، والتوجيهات ترسلها حكومة الملالي من طهران، والحديث عن جماعة حوثية بوصفها جماعة يمنية مخلصة لليمن هو حديث بعيد عن الواقع!
وكلنا يذكر الأيام التي استضافت فيها الكويت طاولة للتفاوض بين الجماعة وبين الحكومة الشرعية، ففي تلك الأيام كانت الحكومة الكويتية تلاحظ أن ما توافق عليه جماعة الحوثي بالليل، تعود وترجع عنه في النهار، وكان هذا يتكرر بطريقة تلفت الانتباه، وكانت الكويت تواصل مد حبال صبرها إلى آخرها مع الجماعة، وكانت بالطبع تعرف سبب الرجوع عن التعهدات وتراه، وكانت تستنتج أن القرار الحوثي إنما تُمسك به يد أخرى، وأن الحوثي الجالس إلى الطاولة لا يملك من قراره شيئاً، وأن له مرجعية يعود إليها ويعرض عليها، وأنه لا يتحرك إلا بما تراه هذه المرجعية، وأن النظر إليه على غير هذا الأساس، هو نظر لا يرى ملامح الصورة على حقيقتها، ولا يتطلع إلى زوايا الصورة في أركانها الأربعة!
ولا معنى لهذا على بعضه سوى أن الرهان على عقل يوضع في رأس هذه الجماعة المنفلتة فيجعلها ترى ما يتعين عليها أن تراه، هو رهان على لا شيء في كل مرة، وهو مضيعة للوقت في كل جلسة من جلسات التفاوض معها، وهو تسكين لها في غير مكانها الصحيح!
هذه جماعة ارتضت أن تكون لعبة في يد إيرانية، وهذه جماعة قَبِلت أن تكون دمية تحرّكها أصابع خامنئي على مسرح الأحداث في اليمن، وهذه جماعة تضع صالحها فوق كل ما عداه في الأراضي اليمنية، وهذه جماعة تضع صالح إيران فوق صالح اليمن، وهذه جماعة لا ترى بأساً في أن يغرق البلد فيما هو غارق فيه من تعاسة على يديها، وهذه جماعة تجردت من كل وازع وطني يجعلها تقدم البلد الذي تحمل جنسيته على ما سواه، وهذه جماعة تتطلع في مرآتها فلا ترى شيئاً من حضارة مأرب، ولا تلتفت إلى شيء من ثقافة بلاد سبأ التي تعطي اليمن عمقاً في كتاب التاريخ!
وعندما بادرت وزارة الخارجية الأميركية فوضعت الجماعة الحوثية على قائمة الإرهاب، كانت هذه خطوة أولى لا بد من البناء عليها، وكانت بمثابة الجزاء الذي يأتي من نوع العمل!
ولا بد أيضاً أن حديث السفير البريطاني عن رغبة بلاده في رؤية الرئيس اليمني في صنعاء، وعدم رغبتها في رؤية عاصمة مؤقتة، يحتاج إلى خطوة بريطانية موازية من نوع الخطوة الأميركية، وكذلك يحتاج حديث سفراء الاتحاد الأوروبي عن زيارة عدن إلى خطوة مماثلة!
يحتاج الأمر إلى خطوات عملية كهذه، لأن رد جماعة الحوثي إلى طريق الصواب لا يحتاج إلى أقوال من حكومة السفير آرون، ولا إلى أحاديث من حكومات الاتحاد في بروكسل، ولكنه يحتاج إلى أفعال تضع حداً للمعاناة التي يعيشها اليمنيون منذ اللحظة التي دخلت فيها الجماعة صنعاء، قبل سنوات سوف تظل بالتأكيد مخصومة من مسيرة البلاد!
تصنيف الجماعة على الطريقة الأميركية هي اللغة التي تفهمها الجماعة، لأنها اللغة الفاعلة التي ستجفّف مواردها القادمة من إيران، ولأن كل مبادرة إلى حل سياسي كانت الجماعة تُفرغها من محتواها، وكانت ولا تزال تجعل من خطوات المبعوث الأممي مارتن غريفيث جهداً بلا عائد محسوس يراه أبناء اليمن!
جماعة الحوثي هي جماعة مستطيعة بغيرها، ولا تملك قدرات ذاتية تستطيع بها إصابة طائر على شجرة، ولا مجال لوقف ما تفعله إلا بقطع إمدادات الخارج عنها، وهذا بالضبط هو هدف التصنيف الأخير، الذي يريدها جماعة يمنية لها ما لليمنيين وعليها ما عليهم!
وهي لن تكون كذلك إلا إذا انقطعت عنها موارد الخارج، وإلا إذا عرف وكيلها في طهران أن الاستمرار في دعمها له ثمن سوف يدفعه!