لا بديل عن الحوار

لا بديل عن الحوار

لا بديل عن الحوار

 تونس اليوم -

لا بديل عن الحوار

طلال عوكل
بقلم - طلال عوكل

حين تجتمع كتلة الإصلاح والتغيير في غزة، للمصادقة على مشروع قرار بعنوان «نزع الأهلية والشرعية السياسية عن الرئيس محمود عباس» ثم يناشد السيد أحمد بحر الدول العربية بوقف إجراءات الرئيس، يكون قد وقع في تناقض صارخ. كيف لأي جماعة مهما كانت صفتها، أن تطالب بالضغط على الرئيس، الذي تفقده للتو شرعيته وأهليته القانونية والسياسية والوطنية؟ المطالبة بوقف إجراءات الرئيس تعني الاعتراف به عملياً، والشكوى من الإجراءات التي يتخذها، ذلك أن فاقد كل الشرعيات، هو فاقد لكل الصلاحيات، ويفترض أنه غير قادر على فعل أي شيء إلى الحد الذي يجعل جماعة كبيرة تشكو من إجراءاته. 

على العموم، فإن مسألة الشرعيات، تأكيدها أو نفيها لم يعد قضية ذات أهمية أو تستحق الجدل، فلقد خاضت الساحة الفلسطينية منذ كثير من الوقت في هذه المسألة، دون جدوى طالما أن القانون غائب بفعل الانقسام، وكل طرف يمارس منه ما يتفق مع مصالحه وحساباته في عرف المحكمة الدستورية العليا، وكل من يتعامل مع شرعيتها فإن المجلس التشريعي قد جرى حله، ووفق ذلك لا يجوز لأحد أن يتحدث باسمه، أو يعقد اجتماعات تحت يافطته، وإلاّ فهو خارج عن القانون. 

تدعو مثل هذه التناقضات إلى الكف عن استخدام القانون بشكل انتقائي. فحدود الشرعيات، لا ترسمها فقط صناديق الاقتراع، بدليل أن «حماس» حصلت على أغلبية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ولكنها لم تحظَ بالشرعية عملياً والتي تقررها عوامل عديدة بضمنها اعتراف المؤسسات العربية والإقليمية والدولية.

غير أن اجتماع كتلة الإصلاح والتغيير لمناقشة وإقرار هذا العنوان يندرج في سياق التعبير عن مدى عمق الهوة، التي تتزايد باستمرار بين أطراف الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية.
حين تصدر اللغة عن جماعات سياسية أو قيادات فصائلية وازنة، فإن الأمر لا يذهب إلى اللغو غير المحسوب، وإنما يدل على طبيعة التفكير السياسي الذي ينطوي على تبعات مؤثرة على الآخرين إن كانوا فصائل أو مجتمعاً أو سلطات.

ما يتردد هذه الأيام على ألسنة الكثير من المسؤولين رفيعي المستوى السياسي من رام الله ومن غزة، يشير إلى مدى عمق أزمة العلاقات الفلسطينية الداخلية، التي استنزفت سنوات طويلة ومجهودات كبيرة دون أن تجد لها حلاً.

على أن المشكلة الأبرز، فيما يتصل باستخدام كل طرف لما يحوز عليه من وسائل ضغط على الطرف الآخر، هو أولاً، ان هذه الضغوط لم تؤد ومن غير المحتمل أن تؤدي إلى تراجع أحد عن رؤيته لما يريده من الطرف الآخر.

أما ثانياً، فإن مسلسل الإجراءات والمواقف والإجراءات والمواقف المضادة، يؤشر على أن معالجة الأزمة تحتاج إلى سنوات في الوقت الذي يحتاج فيه الفلسطينيون كل لحظة لمقاومة المخططات الإسرائيلية التوسعية، التي لا تضيع لحظة. ثالثاً، إن استمرار هذه الدوامة من الصراع، من شأنه أن يضعف الموقف العربي على ضعفه وان يقدم لضعاف النفوس منهم وهم كثر، الذريعةَ لأن يتخلى عن مسؤولياته التاريخية، تجاه القضية الفلسطينية وأهلها، بل قد يشجع بعضهم على المضي قدماً في اتجاه علاقاته مع إسرائيل، وتعزيز تعاونها معها. أما الأهم فهو ما يتعلق بتقويض صمود الفلسطينيين على أرضهم، ذلك أن المجتمع يدفع ثمناً باهظاً مع استمرار هذا الصراع، وتوسيع دائرة الإجراءات المتبادلة.

مزيد من الفقر، ومزيد من البطالة والإحباط، ومزيد من تضييق مساحة الحريات، ومزيد من هجرة الشباب والعقول عن أرض تنادي أهلها في المهاجر والشتات لأن يعودوا إليها.

يعلمنا التاريخ أن السياسة لا دين لها، وهي لا تلتزم بحدود معروفة للقيم، حتى أن الناس قد يصبحون وقوداً لصراع المصالح والحروب، فلقد دفعت البشرية عشرات ملايين الضحايا خلال الحربين العالميتين، والحروب التي سبقتها وتلتها، لكن الفاعلين تحولوا إلى أبطال، ثمة من قال عن حق إن القاتل فرداً أو جماعة صغيرة، يتحول إلى مجرم، ويحصل على عقاب شديد، أما من يقتلون الملايين عبر حروب لا أخلاقية، فإنهم يتحولون إلى أبطال تاريخيين، تقام لهم النصب التذكارية، ويحتلون صفحات واسعة من كتب التاريخ.

في الواقع، فإنه إذا كان ثمة من قال إن الإجراءات التي تتصل بالموظفين، خصماً أو تقاعداً أو فصلاً، قد ثبت عدم نجاحها، في الضغط على حركة حماس، وأن ثمة تغييرا قادما على هذه الأجندة. الآن نعود إلى قرار سحب موظفي السلطة من معبر رفح البري ومدى تأثيره على حركة حماس أو على الناس.

نعلم تماماً ما يعانيه أولئك الموظفون، فلقد نشر أحدهم تغريدة تقشعر لتأثيرها الأبدان جراء ما يتعرضون له، ولكن ألا تستحق هذه المعاناة الصبر، طالما أنها تخفف من معانيات مئات آلاف البشر المحتاجين.

معبر رفح مغلق منذ أن تم اتخاذ القرار، وهو مفتوح فقط للعالقين في مصر، والخشية هو أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل وجود موظفي السلطة على المعبر الوحيد المتاح أمام الناس.

وبالمناسبة فإن فتح المعبر وفق الآلية الجارية قبل مغادرة موظفي السلطة، لم يكن قادراً على استيعاب حاجات الناس، إذ لم يكن يخرج منه يومياً أكثر من ثلاثمائة مواطن بينما الراغبون في السفر بعشرات الآلاف. نخشى مرة أخرى أن نكتشف أن هذا الإجراء لم يؤثر على حركة حماس كما هو الحال بالنسبة للرواتب، ذلك أن الحركة لن تستسلم للأمر الواقع حتى لو فقد الآلاف من أبناء القطاع حيواتهم أو وظائفهم وجامعاتهم. إذ لا بد من العودة إلى حوار وطني شامل ومباشر، تطرح فيه على طاولة واحدة، كل المواقف والآراء، وعليها تجرى المساومات ومحاولات الإقناع للخروج بخارطة طريق واضحة من الألف إلى الياء، وبأسرع وقت ممكن.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا بديل عن الحوار لا بديل عن الحوار



GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 12:41 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

نحن وفنزويلا

GMT 12:39 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

رحلة لمعرض الثقافة

GMT 12:37 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

ذكرى 25 يناير

GMT 12:35 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

فى الصراع الأمريكى - الإيرانى: حزب الله فى فنزويلا!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:21 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي الخميس 29-10-2020

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 08:29 2021 الجمعة ,07 أيار / مايو

مسلسل ''حرقة'' أفضل دراما رمضانية في تونس

GMT 05:48 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

اكتشاف تقنية جديدة تساعد في إنقاص الوزن الزائد

GMT 05:31 2016 السبت ,26 آذار/ مارس

البردقوش فوائده واستخدامه

GMT 00:15 2016 الثلاثاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد الشطة لعلاج مرض الصدفية

GMT 10:54 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ندوة عن القبول في جامعات الولايات المتحدة في "أميركية دبي"

GMT 09:15 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أيتام «داعش» مَنْ يعينهم؟

GMT 18:04 2021 الإثنين ,29 آذار/ مارس

أخبار من اميركا وعمليات إطلاق النار فيها

GMT 04:00 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موصفات سيارة كايلي جينر الرولز-رويسمن طراز Wraith

GMT 07:03 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

ولاية سيدي بوزيد تسجل 42 إصابة جديدة بفيروس "كورونا"

GMT 16:16 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

ليبيرتادوريس بين "ريفر بليت" و"بوكا جوينورز"

GMT 02:27 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

العزازي يعلن عن مشروعات خدمية عملاقة في المنطقة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia