حصاد مر

حصاد مر

حصاد مر

 تونس اليوم -

حصاد مر

بقلم - حسن العاصي

في الحصيلة يظهر مشهد الجاليات العربية في أوروبا شائكاً ومتعثراً ومنقسماً وفوضوياً، تمزقها الانتماءات الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية، وتفرقها الولاءات لهذا النظام أو الزعيم أو ذاك، مشهد يخلو من أي تأثير لأبناء الجاليات في المجتمعات الأوروبية -باستثناء حالات قليلة جداً-. هذا الوضع المختل تستغله جماعات الضغط الأخرى، خاصة اللوبي اليهودي-الصهيوني، للإساء إلى صورة الجاليات العربية.
والبعثات الدبلوماسية العربية -معظمها- تلعب دوراً سلبياً في استقطابات سياسية وحزبية تعمق الفرقة بين أبناء الجالية، وبين أبناء القطر الواحد أنفسهم.
لكن بالرغم من هذه الصورة التي لا تعبر عن عافية، لا بد من الإشارة إلى بعض التجارب الإيجابية والمشرفة لبعض أبناء الجاليات العربية في بعض الدول الأوروبية، في فرنسا وإسبانيا وهولاندا وإيطاليا وبلجيكا والدانمرك والسويد، ووصول عدد من أبناء الجاليات إلى البرلمانات ومجالس البلديات، وحتى تقلد مناصب وزارية.
إن المشهد العام للجاليات العربية في أوروبا هو انعكاس لوضع المجتمعات العربية ذاتها. إن جميع الانقسامات والخلافات والمشاحنات بين تلك الدول، تجد لها صدىً فورياً في الجاليات، وأي إنجاز حضاري وثقافي وسياسي واقتصادي يتحقق في البلدان العربية، سوف ينعكس إيجابياً على واقع المهاجرين.
من الحقائق التي يجب التذكير بها، أن المهاجرين العرب والمسلمين في الكثير من الدول الأوروبية، أصبحوا جزء مهم ومكون رئيسي من تاريخ وثقافة وحاضر هذه الدول. فقد ساهم الآلاف من المسلمين في الشمال الافريقي ببناء فرنسا حين كانت امبراطورية وحين أضحت جمهورية، ومنهم من ارتبط بثقافتها، والكثير من هذه الشعوب دفع جزء من أبناءها حياتهم في إعادة إعمار فرنسا الخارجة من الحرب العالمية الثانية لتبدو كما هي عليه الآن. وكذلك الحال بالنسبة لبريطانيا التي ساهم أبناء مستعمراتها السابقة من العرب والمسلمين في نهضتها. وفي ألمانيا قام العمال الأتراك بدور فعال في إعادة بناء الاقتصاد الألماني المنهار بعد الحرب، وأصبحوا مكوناً من مكونات الحياة الألمانية. لذا تبدو سياسة التخويف من المهاجرين المسلمين، التي يعتمدها اليمين الأوروبي المتطرف في خطابه الشعبوي، سياسة تتناقض مع ثقافة التعايش بين المهاجرين والأوروبيين التي كانت سائدة قبل ارتفاع صوت اليمين.
من المهم أن يدرك العرب المهاجرين في أوروبا أنهم جزء أساسي من المجتمعات الأوروبية التي يقطنونها، وأن بإمكانهم توسيع وتعزيز مشاركتها وفاعليتها في الشأن العام، من خلال استغلال المناخ الديمقراطي والبدء في الانتقال من حالة السلبية والحيادية إلى الحيوية والنشاط، والابتعاد عن الكسل، وتوظيف العامل الثقافي وليس الديني في مقاربة سياسة الاندماج بما يحقق التقارب مع ثقافة البلدان التي يعيشون فيها، وليس التنافر معها. رغم وعينا بالأثر المحبط الذي تحدثه المواقف العنصرية لبعض القوى الأوروبية تجاه المهاجرين العرب وسواهم، إلا أنه لا طريق ثالث أمام عرب أوروبا، فإما المشاركة الإيجابية وإما الانكفاء والتقوقع.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حصاد مر حصاد مر



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 02:06 2021 السبت ,27 شباط / فبراير

حكومة اليمن تكشف تطورات خطيرة حول ناقلة صافر

GMT 10:35 2020 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

عمادة المهندسين التونسيين ترفض مشروع مطار قرطاج

GMT 00:40 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

حيوانات مهددة بالانقراض تظهر في الجزائر بسبب كورونا

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 00:05 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

أطعمة ممنوعة على مرضى الربو تزيد حدة المرض

GMT 21:22 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الشيلم مرطب ومطهر وملين

GMT 00:14 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أسرة المقرحي تطالب بتعويض عن "تبرئته" في اعتداء لوكربي
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia