بقلم : منى بوسمرة
اعتراف واشنطن بالقدس عاصمةً لإسرائيل ظهرت تداعياته الخطرة على مستويات مختلفة، والمؤشرات تتجه إلى مزيد من النتائج لما أقدم عليه الرئيس الأميركي خلال المرحلة المقبلة.
في الإمارات، كنا ونبقى في المقدمة دوماً دفاعاً عن قضية فلسطين وعن أهلها، فهي قضيتنا ونبض عروبتنا، وتقديم المساعدة واجب عرفناه من قادتنا توجيهاً ومبادرةً، ومن شعبنا تفاعلاً وعطاءً تجاه الأشقاء الصامدين في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وفوق هذا فإن ما يجري للقدس من اختطاف سياسي وديموغرافي وهدم لتاريخها وبنيتها التحتية، يجعل كل تضحية وموقف جادّ مطلباً وضرورة قومية وواجباً وطنياً وفريضة إسلامية، وهذا أقل ما يمكن أن يقدَّم حمايةً للقدس وما حولها.
نحن في الإمارات ضمير العرب في شدتهم وسندهم في عسرهم، نفهم قضاياهم، وندرك معها خطورة المعادلات الدولية التي تحيط بنا، وفي مرات كثيرة، كانت الدعوة إلى رؤية واقعية لحل الأزمات تعبيراً عن إدراك مسبق متقدم لحجم المخاطر المقبلة، نتيجةً لما يحدث على الواقع.
كانت الإمارات وما زالت في كل مكان في فلسطين، في القدس وفي غزة والضفة، تقف إلى جانب أهلنا بكل الوسائل، وهذا كما أشرت واجبنا، وهو شعور سيبقى قائماً مثلما هي السياسة ذاتها التي عبّر عنها مجلس الوزراء أمس، بأن الإمارات تدعم الهوية العربية والقانونية لمدينة القدس، وأن المدينة هي جوهر عملية السلام.
إن خطاب الرئيس الأميركي المتضمن الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وردود الفعل التي رأيناها وسمعناها من العالم أجمع، قابلة للزيادة في حدتها رفضاً لقرار البيت الأبيض، والأسوأ المتوقع أن هذا القرار سوف يغذي التنظيمات المتطرفة، ويمنحها الأسباب لإشاعة حروب الكراهية والأحقاد الدينية بين مكونات المجتمعات المتعايشة المتسامحة، وبدلاً من إشاعة السلام والتفاهم، فإن هذا الإجراء يعزز الجماعات الإرهابية، ويمنحها شرعية مزيفة واهية.
إن ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن القدس، تعبير دقيق في تعريفه لأهمية هذا المكان، وأن القدس بعروبتها وهويتها التاريخية والدينية قبلة لجميع الشعوب من مختلف الأديان، وهو المضمون ذاته الذي يتطابق مع تصريح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي عبّر عن قلق دولة الإمارات من التأثيرات السلبية للقرار وإمكانية أن تمثل هذه الخطوة طوق نجاة للجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة التي بدأت خسارة قواعدها في المنطقة.
سنبقى مع فلسطين ومع القدس، وهي قضيتنا الأولى ما تعاقب الليل والنهار، مهما شغلتنا أمور أخرى طارئة ومستجدة، مدركين حجم الأخطار التي تسبَّب فيها القرار الأميركي، وما سيتركه من أثر على الأمن والاستقرار في المنطقة العربية، وفي أكثر من عاصمة عالمية، وعلى مستويات كثيرة، وتعبيرنا عن مشاعرنا وموقفنا لا يخضع لأي اعتبارات سوى يقيننا أن القدس يجب أن تكون عاصمة للشعب الفلسطيني ودولته، وأن ليس من حق أحد سلب هذا الحق، إضافةً إلى إدراكنا أن قراراً كهذا يجب التصدي له بكل ما أوتي العالم العربي والإسلامي من وسائل وإمكانات.