بقلم : منى بوسمرة
أكثر دولة في هذا العالم استطاعت تحويل التسامح من شعار إلى واقع هي الإمارات، وهذا أمر يُجمع عليه الكل من المواطنين والعرب والأجانب، العاملين والزوار، وغيرهم. أدلة التسامح لا تُعدّ ولا تحصى، أولها تلك النظرة غير العدائية التي ترتسم على وجوه الإماراتيين وغيرهم في تعاملاتهم اليومية، بما يعكس إحساساً بالسلام وعدم كراهية الآخر، وصولاً إلى البنية القانونية التي تجرم أي تصرف أو كلمة أو إجراء يمس روح التسامح في هذه البلاد، مروراً بالبنية الاجتماعية التي تُعدّ تاريخياً بنيةً متسامحة.
بلاد مفتوحة على كل الثقافات، عبر السفر والسياحة والتجارة والتعامل مع الآخرين، وهي طبيعة إماراتية متوارثة، ولا يُستدل عليها بوجود مئتي جنسية هنا يعيشون بأمن وسلام، بل يُستدل عليها في الأساس بالموروث الاجتماعي الذي أدى إلى النتائج التي نراها الآن، بما فيها وجود كل هذه الجنسيات.
حين تتمكن قيادة الدولة وشعبها من صياغة نموذج إنساني منفتح، يحافظ على خصوصيته الوطنية والعربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه يمد جسور التعاون نحو كل الأمم، فإن علينا أن نعرف أننا أمام الإمارات، وهذه هي هوية إنسانية عظيمة، ندر أن نرى مثلها في هذا العالم. ومن بين دول كثيرة، جعلنا التسامح أسلوب حياة، والتسامح لا يكون إلا بقبول الآخر بكل سماته، وعبر تنقية الوجدان من أي تغذية تصنّف الناس لأي سبب كان، ومع هذا حماية قانونية بات الكل يعرفها ويصونها منعاً لأي تجاوز، وهذا يفسر أن بنيتنا الوطنية صلبة وقوية، لا يمكن هزها ولا مسّ جذرها المبارك.
ثم بكل اعتزاز، نحن من أكثر الدول التي صاغت هويتها على هذا الشكل صياغةً غير قسرية، بل توافق الكل على هذه الهوية، وقد جاءت مع كل هذا مبادرات إنسانية، تحض في جوهرها على خدمة الآخرين ومساعدتهم دون تمييز، ما يرفع الإحساس بالتسامح تجاه الآخرين، ومع هذا قوانين للتسامح وحمايته ووزارة للتسامح، وغير ذلك من إبداعات إماراتية في هذا الإطار.
في يوم التسامح العالمي، يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «إن التسامح والإمارات وجهان لعملة واحدة، وهو قيمة أساسية لشعبنا، وضمانة لمستقبل التنمية في بلدنا».
هذا التكثيف مهم جداً، لأن التسامح في الإمارات يعني الإمارات ذاتها، ولا يعني مجرد شعار أو برنامج، مثلما هو حصن حصين يحمي الإمارات من شرور الكراهية والتمييز والتصنيف بين البشر، ويجعلنا مركزاً لكل المبدعين والناجحين والكفاءات ورؤوس الأموال الذين يغنون تنوع هذا البلد، لكونهم يشعرون بالحماية والتسامح، وأن هذا الوطن وطن لكل من هو فيه، مثلما تصير الإمارات بالنسبة إليهم أباً لا يتم التفريط فيه تحت أي ظرف أو عنوان.
التسامح في الإمارات، كما يقول معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، في الحوار المنشور اليوم في «البيان»، ليس واجباً أخلاقياً فقط، وإنما هو القناعة القوية بالمبادئ الإنسانية النبيلة المتبلورة في السياسات العامة للدولة، فهو أمر يسري في الوجدان الإماراتي، ويتجلى بوزارة للتسامح تصون ثقافة التسامح وممارستها، ويتفرع إلى كل ميادين العمل الإنساني، لينتج تقدماً اقتصادياً واجتماعياً.
يوم التسامح شهد لفتة جميلة ومعبّرة في دلالتها، عبر توجيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بتسمية أجمل جسر مشاة في إمارة دبي على القناة المائية الجديدة بجسر التسامح، فيقول عن ذلك صاحب السمو: «جسورنا دائماً تربط بين البشر مجازاً وحقيقةً، قلوباً وتواصلاً».
هذه هي الإمارات التي نحبها ويحبها كل من يعرفها وكل من يعيش فيها، بلد التسامح الذي سيبقى رمزاً لهوية إنسانية نادرة في هذا الزمن حصراً، زمن الكراهية والتقسيمات والمواجهات بين الأمم والشعوب والحضارات، فيما نحن نقول إن هنا قصة مختلفة، عليكم أن تتبعوا فصولها وتفاصيلها، حتى يعم الأمن والسلام في هذا العالم.