بقلم : منى بوسمرة
يقف العرب أمام تحديات كبيرة، سياسياً واقتصادياً، العام المقبل، وهي تحديات تأتي متصلة بتحديات السنين الماضية، لكنها تشتد في تعقيداتها.
ولن تنج من المتغيرات المتسارعة، إلا الدول القوية، التي تنبهت مبكراً إلى بنيتها السياسية والاقتصادية، والتي تتواءم مع التغيرات الجارية في العالم، ولديها القدرة على الوقوف في وجه هذه التحديات، بل وتحويلها إلى فرصة لإثبات قدرتها، على البقاء من جهة، بل والبقاء بين أهم الدول في العالم، وفي الصدارة، وهذا أحد التحديات التي لا يمكن التعامل معها بالشعارات فقط، بل عبر خطط العمل، على مستويات مختلفة.
المنتدى الاستراتيجي العربي العاشر الذي انطلقت أعماله في دبي أمس، والذي يستشرف حالة العرب سياسياً واقتصادياً، خلال العام المقبل، مهم جداً؛ لأنه من حيث المبدأ يعيد مراجعة الأوضاع في العالم العربي، ويستشرف المستقبل من حيث الإشكالات والأزمات، وطرح الحلول، وهو ليس مجرد منتدى للعصف الذهني، بقدر كونه يلعب دوراً في طرح الكثير من الحلول العملية للأزمات المتوقعة في العالم العربي، خصوصاً في هذا التوقيت.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، كان دوماً أحد أبرز الرموز العربية، التي دعت إلى استشراف العرب للمستقبل، وإيجاد حلول للأزمات القائمة، حتى نسترد مكانتنا بين الأمم، والكل يعرف أن الإمارات، في هذه الحالة حصراً، لم تكن أنانية أبداً، فنحن نمثل نموذجاً متطوراً جداً، وهو نموذج المستقبل، على كل المستويات، ولم نكتف بهذا، بل نريد للعرب أيضاً أن ينهضوا بشكل منطقي، وأن تسترد المنطقة عزمها وقوتها ومكانتها.
وفي رؤية توجز الحالة العربية وتستنهض الطاقات يحذر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد خلال المنتدى العالم العربي من عدم مواكبة التغيرات المتسارعة السياسية والاقتصادية في العالم؛ لأن ذلك مخاطرة بالتأخر لسنوات طويلة، لكنه في نفس الوقت يبشر بإصلاحات اقتصادية ضخمة في دول عربية كبرى أدركت المتغيرات وتفاعلت معها، ما يثير التفاؤل بأن تكون النتائج الاقتصادية العام المقبل إيجابية في مجملها، لكن ما يزيد الحصيلة الإيجابية هو الأمل الأكبر الذي عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بانفراج الأزمات العربية الحادة، ما يتيح المجال لتوجيه كل الطاقات نحو التنمية والانخراط في عملية بناء لا تتوقف.
هذا الحديث المتفائل، ينطبق كما أشرنا إلى الدول التي تستشرف المتغيرات، ومن هنا عبر سموه عن تفاؤله بالوضع الاقتصادي المحلي؛ لأن الإمارات، كما قال، هي الأكثر استعداداً سياسياً واقتصادياً لمثل تلك المتغيرات، وهو بالتأكيد استعداد مبكر ومخطط له لضمان النجاح، لكن الحال مختلفة في كثير من الدول العربية التي تعاني أساساً من تأخر على المستويات الاقتصادية والتنموية، ولا تريد مراجعة حساباتها، والتنبه لما يجري على صعيد مستقبلها.
ولدينا مثل على هذا، فأول جلسات المنتدى كانت عن حالة العرب اقتصادياً، عام 2018، وحين يتم استدعاء حقائق منسوبة إلى مؤسسات دولية، وحاجة العالم العربي إلى ستة عشر مليون وظيفة خلال خمس سنوات لتقليص فجوة البطالة، فإننا ندرك حجم المخاطر التي تحيط بالمنطقة وشعوبها، وهذه حقيقة من بين الحقائق التي يواجهها العرب، ولها تأثيرات خطيرة جداً، سياسياً واقتصادياً، إضافة إلى التأثيرات الاجتماعية التي تربط هذه الأرقام، بمستويات التطرف والجريمة وغير ذلك.
لقد آن الأوان للعرب أن يعيدوا مراجعة ظروفهم وأحوالهم، ونحن نرى كيفية تبديد الموارد المالية على دعم الإرهاب والصراعات، وبسبب الفساد وغير ذلك، فيما تنحدر مستويات الحياة في أغلب الدول العربية، وكل يوم يمر دون حلول، تزداد الأمور تعقيداً، بتأثيراته اللاحقة على المنطقة، مما يجعل الأفق مسدوداً، إذا تواصلت الحال هكذا.
عام 2018 عام ليس سهلاً بكل الأحوال، وربما يقال هنا إن الدول القوية ستزداد قوتها، والدول التي لا تتنبه لمواقع الضعف فيها، مؤهلة لمزيد من التراجعات. هذه هي الخلاصة التي لا بد أن نعترف بها اليوم، بكل أمانة، ودون مجاملات.