بقلم : منى بوسمرة
هذا هو العراق الذي بدأ يتعافى من جروحه التي استمرت سنوات طويلة، والتي تسبب فيها الإرهاب والصراع على السلطة والحروب المذهبية، ومحاولات إيران ابتلاع هذا البلد العربي، جروح ليست سهلة تركت أثرها على الأمن القومي العربي بكامله، وجعلته أمام مهمة كبيرة لاسترداد بلاد الرافدين قوياً ومعافى لشعبه وأمته.
رئيس الوزراء العراقي يزور الرياض، وقبل ذلك وزراء سعوديون يزورون بغداد، وهو اتجاه جديد في العلاقات مع العواصم العربية، سواء على صعيد العلاقات مع الإمارات والسعودية وبقية الدول، وهو اتجاه لا بد من دعمه بكل السبل، لأن العراق ركن أساسي في المنطقة، وهو مع الأسف يتم استغلاله من جانب إيران بوابة للعبور إلى كل المنطقة، وهذا ما يفرض على الكل جهداً إضافياً مضاعفاً، لعدم تركه وحيداً أمام أطماع القوى الإقليمية.
لقد كان موقف الدولة واضحاً منذ البداية، فالإمارات تقف مع العراق ضد الإرهاب ومكافحة التطرف، وتريد لهذا البلد العربي أن يستقر، وأن يسترد حالة الانسجام الداخلي بين مكوناته، وأن يسعى الجميع من أجل مصالحة تاريخية تزيل كل ما لحق ببنيته من أضرار وتشظية ومحاولات لتقسيمه وتفتيته، إضافة إلى موقفنا من محاولات طهران حصراً استغلال العراق والسيطرة عليه، وتحويله إلى كيان تابع لها في سياقات مشروع التمدد الإقليمي في المنطقة.
إن هذه السياسات التي تتبناها المملكة العربية السعودية في استقبال مسؤولين عراقيين، وزيارة مسؤولين سعوديين لبغداد، تعبّر عن الرؤية ذاتها التي تتبناها الإمارات في دعم العراق ومساندته حكومةً وشعباً، إذ لا بد من فتح كل الأبواب له لمساعدته، ليعود إلى جواره العربي، ويسترد موقعه الطبيعي، خاصة في ظل الأطماع التي تحيط به من كل الجهات، سواء الأطماع الإيرانية والتركية، إضافة إلى التحديات التي تتعلق بدعوات الأكراد إلى الانفصال، وتأثير ذلك في كل بنية الدولة وثرواتها ومستقبلها، وبما يرتد في الأساس على أمن العالم العربي واستقراره.
لقد كان أهم توقيت بالنسبة إلينا هو انتصارات العراق على الإرهاب وجماعاته، وننظر اليوم بأمل كبير إلى مرحلة ما بعد الإرهاب، وحاجة هذا القُطر العربي المهم إلى وقفة مع النفس لمراجعة كل الملفات، وبالتأكيد سنشهد محاولات لأطراف كثيرة لإبعاد بلاد الرافدين عن الدول العربية الكبيرة والمعتدلة، خاصة أن هذه الأطراف الإقليمية بات لها بطانات سياسية تابعة لها في العراق، وهذا يجب أن يحضّنا أكثر على أن نستمر في السياسة ذاتها، مع إدراك أن العواصم الطامعة لن تتخلى عن أطماعها بهذه البساطة.
العراق العربي مصلحة لشعبه ومصلحة لكل العرب، وهذا الشعار بحاجة إلى وسائل وطرق لتنفيذه، وعلينا أن نقر هنا أن الإمارات والسعودية والدول العربية المعتدلة تدرك هذه الحقيقة، وسياساتها تعبّر عن رؤية عميقة للعراق، في إطار أهمية موقعه ضمن المنطقة، والأرجح أن هذه السياسات إذا تواصلت ستسهم كثيراً في كبح المشاريع الإقليمية، ومنح العراق مكانته الأصيلة بوصفه بلداً عربياً، بما يعنيه ذلك من انتماء ونتائج إيجابية متوقعة.