بقلم : منى بوسمرة
قطر أول نظام عربي يسجن شخصيات من العائلة الحاكمة، ولم نسمع تاريخياً عن دولة أو نظام سياسي يسجن أقرب المقربين إليه، خاصة أفراد العائلات الحاكمة، عقاباً على مخالفتهم ما يحدث من تجاوزات خطرة.
هذا ما نشرته مجلة «لوبوان» الفرنسية التي نسبت إلى رجل أعمال فرنسي معلومات أشار فيها إلى أنه خلال سجنه ظلماً في الدوحة إرضاءً لرجل أعمال قطري، تعرف في السجن إلى أكثر من عشرين شخصاً ينتمون إلى العائلة الحاكمة، تم سجنهم بأمر من أمير قطر، لكونهم عبّروا عن مواقفهم الرافضة لاستعداء السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ولاتخاذهم مواقف لم تعجب تنظيم الحمدين، الذي لا يتورع عن سجن أي شخص يعارضه، سواء كان من أقاربه أو من شعبه.
المفارقة هنا أن الأمير تميم، الذي يبيع على العالم العربي شعارات الحرية، والرأي والرأي الآخر عبر الإعلام الممول والمسموم ظاهراً وباطناً، لا يقبل بالرأي الآخر في بلاده، بل يلجأ إلى الإجراءات ذاتها التي يندد إعلامه بها بالدول ويقوم بما هو أسوأ، أي سجن أفراد عائلته لمجرد أنهم قالوا إن قطر بلا جوارها لا شيء.
هذه الإجراءات تثبت أولاً كل ما قلناه، إن الدوحة في حقيقتها غير التي ينخدع بها بعض العرب، وليس أدل على ذلك من أن النظام ذاته لا يقبل أصلاً بمناقشة أي ملف قطري داخلي في وسائل الإعلام التابعة له، التي تتفرغ لمهمة تفكيك الدول العربية، وإثارة المكونات الداخلية ضد بعضها، وتشجيعها على التطاول على رموزها وأنظمتها فوق دعم الإرهاب وجماعاته، وما تبيحه الدوحة لنفسها خارج قطر تحرمه في الداخل.
لم يقف النظام عند هذه الحدود، بل مع هذه الاعتقالات التي شملت أفراد العائلة الحاكمة وشخصيات عسكرية، يكرر النظام الأسلوب ذاته مع البنية الاجتماعية، عبر اتخاذ إجراءات تعسفية تتضمن سحب الجنسية من مواطنين قطريين، وهي ممارسة لا تتقنها سوى دولة القمع التي لا قانون فيها سوى الاستبداد، وهذا ما رأيناه سابقاً، حين تم سحب جنسية عشرات آلاف القطريين في عهد الحاكم السابق، وتكرر مع رموز قبلية كان آخرها سحب الجنسية من الشيخ شافي الهاجري شيخ قبيلة «شمل الهواجر»، ومعه عدد من أفراد قبيلته، لمجرد أنهم عبّروا عن رأيهم بخطورة معاداة الدوحة لجوارها الشقيق.
كيف يمكن لهذا النظام أن يواصل هذه الإجراءات الظالمة، ومن أين يستمد شرعيته وهو يهين أفراد العائلة الحاكمة، ويعتدي على القبائل التي تعد عماد أي بلد عربي، عبر هذه السياسات التي يراد منها إخافة بقية مكونات الشعب، وتهديدهم بسحب الجنسيات، في زمن لا يمكن فيه أن يتفهم العالم إجراءات كهذه، لكونها تعدّ تعبيراً فاضحاً عن أن المواطنة غير ثابتة، وكأنها «هبة الأمير» يمنحها لمن يشاء ويسلبها ممن يشاء.
في كل الحالات، إن هذه المؤشرات خطرة جداً، ولا يمكن الوقوف عند دلالتها بشكل حصري، بقدر كونها تقودنا إلى تداعيات أكبر خلال الشهور المقبلة، مما يشير دون مبالغات إلى أن البنية الأهم في قطر ممثلة في العائلة الحاكمة من جهة، والبنية الاجتماعية التي يستند إليها الحكم بدأت بالتشظي، وهذا سيؤدي في مرحلة ما إلى مزيد من التداعيات، أقلها نفاد صبر القطريين أمام سياسات نظامهم التي أهلكت كل شيء.