شباب إفريقيا بين الحلم وكابوس الهجرة

شباب إفريقيا بين الحلم وكابوس الهجرة

شباب إفريقيا بين الحلم وكابوس الهجرة

 تونس اليوم -

شباب إفريقيا بين الحلم وكابوس الهجرة

بقلم : لحسن حداد

عند مفترق الشوارع بالرباط والدر البيضاء، كل صبا ح وكل مساء، يقصدك وأنت سائق، عشرات الشباب القادمين من بلدان جنوب الصحراء، يمدون أيديهم سعيا في كرمك. قد تعطيهم درهما أو اثنين أو قد تبقي زجاج نافذتك مغلقا تؤرقك أسئلة وأسئلة حول هؤلاء "الضيوف" الجدد.

لو أن البعض من هؤلاء أوصلته الأقدار إلى شواطيء ليبيا لكان قد استقل زورقا غير آمن إلى جزيرة لمبيدوزا. قد يصل حيا منهكا من الجوع والبرد وطول السفر الى الأراضي الإيطالية وقد يهلك في أعالي البحار ويصير مادة إعلامية دسمة حول الهجرة السرية أخطارها وفواجعها. من حسن حظ هؤلاء (أو سوء حظهم من يدري)  أنهم وجدوا أنفسهم في المغرب، يؤمون المآوي أو يعيشون في غابات الشمال ينتظرون الفرصة للعبور نحو أوربا، أو يأملون في أن يحصلوا على الترخيص للعمل والاستقرار داخل المغرب.

الهروب إلى الإلدورادو الأوروبي صار الملاذ الوحيد للكثير من شباب غرب ووسط وشرق إفريقيا. بعض الأسر قد تبيع بهيمها وأرضها وممتلكاتها لتؤمن مصاريف السفر لدى مافيات تهريب البشر، والتي قد تصل إلى الآلاف من الدولالرات. الرحلة عبر الغابات الاستوائية والسافانا والصحراء الكبرى قد تأخد أسابيع، وسط الحر والقر؛ بطون جائعة، أجساد منهكة، نساء يغتصبن ليلا، عنف وتعنيف، سرقة، جرائم صغيرة، حمل غير مرغوب فيه، تلكم تيمات هذه الرحلة الطويلة المكلفة نحو المجهول.

لماذا يغادرون نحو حلم قد يصبح كابوسا؟  لما يا ترى يهجرون الأهل والبلد ويعرضون أنفسهم للخطر والتهلكة؟ إنهم يرحلون لأن أحلامهم تبخرت على حجرة الواقع المر الصلبة: نظام تربوي فاشل لا يعلمهم الكفاءات اللازمة للعمل؛ الواقع الاقتصادي الرديء لا يخلق فرصا للشغل؛ التغيرات المناخية وتبعاتها من جفاف وفيضانات وتصحر قضت على أنماط العيش الزراعية التقليدية؛ وبالطبع اللاستقرار السياسي والحروب الأهلية أجهزت على ما تبقى بعد فشل المدرسة وغدر المناخ وتخلف الدورة الاقتصادية.

بعض الدول الإفريقية تعمل على خلق الظروف المناسبة للاستثمار في قطاعات الخدمات والسياحة وتكنولوجيا المعلوميات، والإسكان، وهي قطاعات تحتاج إلى يد عاملة مؤهلة تأهيلا متوسطا. في دول مثل الكوت ديفوار وزامبيا وطنزانيا والسينيغال وكيننيا ونيجريا (ما عدا الشمال الشرقي الذي كان مسرحا داميا لعمليات بوكو حرام الإرهابية)  قد ترى بعض بوادر التحول إلى اقتصاد يعتمد على التحويل والخدمات لا فقط على تصدير المواد الأولية. بعض الدول مثل المغرب وجنوب إفريقيا وفرنسا والصين تمول مشاريع ضخمة في تدبير الماء والزراعة والسياحة والطاقة والبناء في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وهي مشاريع من شأنها المساهمة في التخفيف من حدة البطالة في هذه الدول.

ولكن إفريقيا تحتاج إلى دعم أكثر من لاعبين كبار وأغنياء أمثال الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وكندا والمملكة المتحدة ودول الخليج والدول الاسكندنافية وروسيا اذا أردنا حقيقة أن نواجه مشاكل تدهور أنماط العيش التقليدية ووجود شريحة كبيرة من الشباب العاطل والتأثيرات السلبية للتحولات المناخية.

ملك المغرب الذي يجوب القارة عرضا وطولا هو مثل حي لما يجب أن يقوم به قادة آخرون: محمد السادس أشرف على وضع حوالي مائتي مشروع يساهم فيها إما القطاع الخاص أو العام أو هما معا في شرق القارة ووسطها وغربها بقيمة تناهز العشر مليارات من الدولارات. من شأن هذه المشاريع أن تساهم في خلق قيمة مضافة إفريقيا هي في أمس الحاجة إليها لرفع المعاناة عن شعوبها.

يجب على  رئيس الولايات المتحدة المنتخب أن يفهم أن أنجع وسيلة لمحاربة الهجرة السرية هي أن يكون رائدا في الاستثمار في تحسين أنماط العيش والمساهمة في إعادة الأمل في الشغل والعيش الكريم للملايين من الشباب في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا.

بناء الأسوار ووضع الحواجز الشائكة وخلق نزعة التقوقع داخل قلاع حقيقية أو متخيلة والتشديد في إجراءات منح التأشيرات تم اختبارها في أوربا خلال السنين الأخيرة وكانت نتائجها متوسطة إن لم نقل متواضعة. لازال الشباب الإفريقي يموت غرقا في البحر أو يتسول في طنجة ووهران وتونس العاصمة أو ينخرط في شبكات تهريب البشر والمخدرات وفي العمليات الإرهابية في الساحل والصحراء.

الشباب هم رجال ونساء الغد، هم الأمل والمستقبل؛ وإفريقيا في حاجة إلى شبابها لتحقق الإقلاع المنشود والازدهار. ولكن عليها  أن تؤمن بهؤلاء الشباب وبمؤهلاتهم وتعطيهم التكوين اللازم والفرص لكي يحققوا ذواتهم وينجحون في حياتهم. علينا أن نعمل جميعا من أجل تحقيق الحلم الإفريقي المتمثل في أن تكون إفريقيا قوية، عادلة، مستقرة، ومصدرا للأمل والعيش الكريم. علينا أن نعالج مشاكلها ومضراتها بصبر وعزيمة وتفان. وسننجح لأن ثقتنا بقدرات إفريقيا ومستقبل إفريقيا قوية.

* لحسن حداد، الوزير السابق في حكومة المغرب والبرلماني الحالي. هو كاتب ومحلل وخبير في الشؤون الاستراتيجية

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شباب إفريقيا بين الحلم وكابوس الهجرة شباب إفريقيا بين الحلم وكابوس الهجرة



GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia