سبعةُ أيام متواصلة والأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي يخوضون معركة مباشرة بالذخيرة الحيّة، سلاحهم الفكرة والتصميم والإرادة، يواجهون بأمعائهم الخاوية جبروت السجّان ووقاحة المستوطنين الذين حاولوا أن يشاركوا في كسر الإضراب بإقامة حفلات شواء خارج المعتقلات.
هل سمعتم عن وقاحة أكثر من ذلك، وحقارة لا يمكن أن تصنّف في خانة الإنسان؟!
الفلسطينيون يخوضون حربًا معتمدين على روحهم الوثّابة، وعزيمتهم التي لا تلين، حرب الحرية والكرامة، ومع هذا لا يزال انعكاس هذا الفعل البطولي في الإعلام هزيلًا، وفي يوميات الإنسان العربي من دون ردة فعل، وفي المواقف الرسمية العربية والدولية من دون أية التفاتة.
ما هو المطلوب من الفلسطينيين أن يفعلوا أكثر من ذلك، بعد أن نفّذوا العام الماضي الهبّة الشعبية في القدس وبعض المدن الفلسطينية، قدّموا فيها أكثر من 200 شهيد، أعمار معظمهم أقل من 18 عامًا، و 12 ألف جريح ومصاب وأكثر من 1500 أسير ومعتقل في سجون الاحتلال.
هبّة شعبية شبابية لم تتقدم السلطة الفلسطينية بفعلٍ مُساندٍ لها ، بينما استمر التنسيق الأمني مع الاحتلال، والتهديد بالذهاب إلى المحاكم الدولية لا يتقدم خطوة.
وحالُ الفصائل الفلسطينية ليست بأفضل كثيرًا، فالمساندة خجولة، ولم تتجرأ على الإعلان رسميًا عن المشاركة في الهبّة، مثلما هي خجولة مِن إضراب الأسرى تنتظر موقف السلطة حتى لا تخسر امتيازات هزيلة.
منذ سنوات ورجال السلطة الفلسطينية يدفنون رؤوسهم في الرمال، ويتواطؤون مع الخراب، وأصبح الحديث عن الدولة المستقلة كِذْبة، والقدس تختفي معالمها العربية، ويزحف الاستيطان على الأرض ليحاصر بقايا المدن والقرى.
محمود عباس يقاتل على جبهات شخصية، فحينًا مع محمد دحلان، وحينًا مع ياسر عبدربه، أمين سر الجنة التنفيذية، فيطرده من منصبه.
وحماس تقول كفى عبثًا، فالمفاوضات لم تُقدّم شيئًا للشعب الفلسطيني طوال 20 عامًا، وهي مُصرّة على مناكفة عباس، وتعمل على الجبهات كلها للوصول إلى هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل.
المطلوب ـ بكل تواضع ـ هو دفع الأمور نحو مزيد من التأزيم ونحو حافة الانفجار، حتى لا تذهب دماء الشهداء الذين يسقطون يوميًا مجانًا، وتبقى معركة الأسرى في زخم الفعل البطولي الذي يحقق النتائج.
الخطوة الأولى هي الإعلان نهائيا عن وقف المفاوضات المنقطعة تمامًا والقول علنًا إنها كانت مفاوضات عبثية، وإنها شكلت ستارا لمواصلة إسرائيل أعمالهاالعدوانية.
والثانية، وقف التنسيق الأمني فورًا مع الاحتلال الإسرائيلي، أو على الأقل التهديد بذلك، لأن بقاءه في هذه الظروف لا يمكن إلّا أن يوصف خيانة لطموحات وأحلام وشهداء الشعب الفلسطيني.
والثالثة، وقف حركة حماس خطوط الاتصالات السرّية كلها مع الإسرائيليين عبر مفاوضين ألمان وعرب وغيرهم.
والرابعة، تجديد حالة الاشتباك السياسي مع المشروع الصهيوني من جذوره والإعلان رسميًا عن وفاة اتفاقات أوسلو، التي لا يعترف بها الكيان الصهيوني أصلًا.
وخامسًا، النضال الفلسطيني في الخارج من خلال ترجمة إعلان دولة فلسطين على الأرض؛ حكومة وبرلمانا وتمثيلا خارجيا.
والخطوة السادسة، والأهم، العودة إلى الشارع الفلسطيني ومصارحته ومكاشفته بالحقائق، والخلاص من الانقسام والتشرذم والفصائلية التي تجاوزتها أوجاع الشعب الفلسطيني.
لنتفكر بهدوء أكثر، فبعد فشل المشروعات السياسية في المنطقة جميعها، وبعد تحول دول بعض الربيع العربي الى دول فاشلة، او في طريقها للفشل، وبعد توقعات الـ CIA على لسان مدير سابق بزوال دولتين عربيتين مركزيتين (سورية والعراق)، وبعد أن خرّبت عصابة داعش الأنفس العربية في المنطقة، وأصبح الذبح والقتل وجز الرؤوس والحرق والغرق والتقطيع أكثر من ذبح الأضاحي صبيحة عيد الأضحى.
في ظل انتظار خرائط جديدة للمنطقة، ودول طائفية وعِرْقية في طريقها إلى الاعلان، وفي ظل الفشل الذي يسكن عقول العالم العربي، وبعد أن أصبحت قضية العرب المركزية (القضية الفلسطينية) في سادس أو عاشر القضايا المطروحة على سُلُّم أولويات العرب (حكامًا وشعوبًا)، وغابت عن أولويات دول الإقليم والعالم الغربي، ماذا تبقّى لبقايا القيادات والفصائل الفلسطينية حتى تستمر الخلافات، لا بل تزداد اتساعًا يومًا بعد يوم، حتى تحولت إلى خلافات شخصية، أكثر منها وطنية.؟!