بقلم : جمال خاشقجي
استمعنا إلى ما تريده الحكومة لنا، وهي تعلن بالتفصيل خطة التحول الوطني 2020 و «رؤية 2030»، ولكن ما الذي يريده المواطن؟
يريد بالطبع كل ما تعد به الحكومة في «الخطة» و «الرؤية»، ولكن من المفيد الاستماع إليه أيضاً. لذلك سأتطوع وأعد قائمة لما أعتقد بأنها مطالب المواطن السعودي، التي ستختلف بالطبع من مواطن إلى آخر، ولكن هذه قائمتي ويمكن لغيري أن يضيف ويحذف منها ما يشاء، وعمدت، وأنا أضع وأشرح «قائمتي»، أن استدعي مراحل سابقة من حياتي. اقتربت من الستين وأشعر بالقناعة لما بين يديّ، ولكنني أتذكر أياماً صعبة مررت بها وأنا أسعى وأسرتي الصغيرة في طلب «جودة الحياة»، لذلك أستطيع القول إن «قائمتي» نتيجة تجربة عميقة في الحياة بصفتي مواطناً سعودياً.
هذه «قائمتي» رتبتها وفق أوليات، وتبعاً لقاعدة «تسلسل العلل الفاعلة»، ولن أستطرد في شرحها حتى لا يتفلت مني القارئ، فهي فكرة فلسفية تثير الملل، ولكنها تقوم على أن ثمة عللاً فاعلة تؤثر في غيرها.
ومثلما يمكن تطبيقها في الفلسفة والاستدلال، يمكن تطبيقها في الاقتصاد والسياسة، فمثلاً من دون «الاستقرار السياسي» لن يكون هناك داعٍ لهذا المقال، لذلك لم أضعه ضمن القائمة، لأنه مسألة مفروغ منها، فلو فقد الأمن والاستقرار ستفقد معهما أي مطالب أخرى، ويصبح السعي والجهد مبذولين فقط من أجلهما، ويمكن الشرح في نقاش عن الأهم، السكن أم الوظيفة أم التعليم، فكل يفضي إلى الآخر، ويؤثر فيه، لذلك قلت إنها قائمتي واجتهادي، معظمها أساسي ومتفق عليه، مثل السكن والوظيفة والتعليم والعلاج والترفيه، والبعض الآخر قد يستغربه القارئ، ولكن عندما يقرأ أسبابي لتضمينها القائمة سيدرك أهميتها، وبخاصة أنها ترد تحت تحقيق «جودة الحياة»، وهو مصطلح رائع دخل ضمن «رؤية 2030» ويستحق الاهتمام والتنظير والتفعيل، مثل توافر الأرصفة في شوارعنا وأحيائنا، مواقف السيارات، وملاعب كرة القدم والحدائق، والفصل بين السكني والتجاري، وأخيراً الحرب على التستر وتحرير السوق.
وفي الأخير طالبت بأمرين فيهما قدر من السياسة، وهما الحق في المعلومة، والمشاركة في السياسة المحلية.
لم أضع خططاً لتحقيق ذلك، فأنا أتحدث، كمجرد مواطن يطالب، وعلى الدولة تحقيق ذلك بما تملك من خبرة وخبراء، ولأنها وحدها خلف مقود حافلتنا الوطنية، فهي المناط بها تحقيق ذلك والإشراف عليه ومراقبة التنفيذ ومحاسبة المقصر ومكافأة الناجح، ولكن من حق المواطن عليها أن تستمع إليه وهو يطالب أو يبدي ملاحظات ومقترحات، وأن تشركه في صناعة القرار في ما يخص حياته مباشرة، وهذا البند الأخير في القائمة.
السكن أولاً
إنه المطلب الأساس، فبتوافر سقف فوق رأس المواطن يتعزز انتماؤه، ويتحول إلى منتج مبدع، يطلق لنفسه التواقة آفاقاً غير محدودة في الكسب، وتأسيس أسرة، ويهتم بتعليم أبنائه بعدما اطمأن واستقر، وفي كل ذلك إضافة حقيقية ومستدامة للناتج القومي.
ألزمت الدولة نفسها بتوفير سكن لكل مواطن، سابقاً في صورة المنح المباشرة لأرض ثم قرض، والآن بالكاد تستطيع أن توفر القرض واختفت الأرض إلا للقليل السعيد، على رغم أنها الأكثر توافراً، فهي مجرد تراب من حولنا، ولكنها أصبحت الأغلى وتفوق قيمة البناء، وبالتالي تشكلت أزمة معقدة في العرض، وعلاجها هو الشغل الشاغل لوزارة الإسكان، على رغم توافر العناصر الثلاثة لصناعة تطوير عقاري مزدهرة، أولها: الطلب ممثلاً في المواطن، ثانيها: التمويل ممثلاً في البنوك ذات الوفرة المالية الهائلة مع قلة فرص الاستثمار، وآخرها: خلطة الأرض والمطور والمقاول، الذين يمكن أن يوفروا العرض، وعلى الوزارة أن تحل هذه المعادلة الصعبة عندنا، السهلة في الدول بجوارنا!
لا يعني المواطن كيف ستحل الوزارة هذه المعضلة، كل ما يهمّه وما حري بالدولة أن تفعله هو أن تعطيه الدفعة الكافية لكي يرتقي درجة في ما يسميه الاقتصاديون «سلم العقار»، ومن ثم يرتقي هذا السلم بقدر نجاحه في الحياة والكسب، فيشتري شقة صغيرة بقرض حكومي ميسر أو بما تيسر له من مدخرات أو إرث، فمع زيادة أسرته ورزقه، يبيعها ويشتري بثمنها، زائد ربحه منها إن ربح، ما هو أكبر منها، ويستمر في ذلك حتى يستقر في بيت أحلامه، وحوله أسرته التي كبرت، يتحلّقون حوله كل جمعة، في بيت كافٍ أن يسكن معه ابن أو ابنة، اضطرهما ظرف أن يعودا الى بيت الأسرة، في شكل دائم أو موقت.
ولكن هذه الدورة تتطلب أموراً ثلاثة، هي: وفرة العرض، فيتوافر بالمدينة معروض متنوع من الشقق والفلل مناسبة لمن معه نصف مليون أو عشرة. الثاني: سهولة إجراءات البيع والشراء ونقل قيمة ما تبقى له من قرض بنكي من عقار إلى آخر من دون خسارة وتكسّب مجحف من الجهة المقرضة، وكلا الأمرين رهن بالإجراءات التي تعد بها وزارة الإسكان، لعلاج الخلل القائم بين مثلث التنمية العقارية المشار إليه آنفاً، ويتألف من المواطن المشتري، ومطور العقار، والممول حكومة كان أم بنكاً.
الشرط الثالث، هو: الوظيفة والدخل، وهذان تتداخل فيهما مسؤولية المواطن والحكومة، فالأول مطالب بأن يسعى ويحافظ على وظيفته أو تجارته، فيكسب ما يكفي لتسديد قسط العقار الشهري، ومسؤولية الحكومة، توليد الوظائف.