مبدأ سلمان ومبدأ أوباما

مبدأ سلمان ومبدأ أوباما

مبدأ سلمان ومبدأ أوباما

 تونس اليوم -

مبدأ سلمان ومبدأ أوباما

بقلم : جمال خاشقجي

انتهت عاصفة انتقاد باراك أوباما بعد نشر مقالة «أتلانتيك» والمعنونة «مبدأ أوباما»، التي تضمنت بين آراء أخرى سلبية انتقادات الرئيس الأميركي للمملكة ودول الخليج، وتضجره من اعتمادهم الزائد على الإدارة الأميركية، وفق توصيف كاتب المقالة، ولكن أوباما قادم الى الرياض في الشهر المقبل، إذ سيلتقي قادة المملكة ودول الخليج، ما يعني أننا نغضب ونعاتب بعضنا البعض، ولكن لا نستغني عن بعضنا البعض.

لم يضع كاتب المقالة جيفري غولدبرغ جملة بين قوسين يحدد بها «مبدأ أوباما»، ولكن مقالته الطويلة تشير بوضوح إليها، وهي «سياسة عدم التدخل، وأن ما يمكن حله بالتفاوض أفضل من حله بالقوة»، فإذا كان هذا هو مبدأ أوباما، فهو لا ينفرد به، وإنما هي سياسة تجتاح أوروبا أيضاً، والغالب أن خلف أوباما سيحمل المبدأ نفسه. صحيح أنه غالى في تطبيقه، وبدا ذلك جلياً في سورية وتراجعه عن خطه الأحمر الذي رسمه لرئيس النظام السوري بشار الأسد بعد ضربة الغوطة الكيماوية في آب (أغسطس) 2013، ما أغضب حلفاءه بعدما استعدوا معه للتدخل في سورية، وإنهاء النزاع قبل أن يستفحل، فوُصم أوباما للأبد بصفة الرئيس المتخاذل، ولكن من الضروري التعامل مع هذا المبدأ كسياسة أميركية وغربية عامة ومستمرة، فالمزاج «الإمبريالي» تراجع هناك نتيجة تغيرات مزاج الناخب الغربي، وصعود طبقة حاكمة شابة بعيدة من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية المستعد دوماً للمغامرات العسكرية، وتكفي المقارنة بين تردد الغرب في التدخل في شكل حاسم ضد «داعش»، الذي ما فتئ يهددهم ويتوعدهم بعد تفجيرات باريس وبعدها بروكسيل الأسبوع الماضي اللتين سقط فيهما المئات، وتدخل الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ريغان السريع ضد ليبيا ومعمر القذافي عام 1986، فقصفت طائراته مقار له في طرابلس ومن دون قرار أممي بعدما حمّله مسؤولية مقتل جنديين أميركيين، إثر انفجار قنبلة بملهى ليلي ببرلين الغربية.

هذا الواقع لن يتغير، فهو تحول تاريخي حتمي وليس سياسة متغيرة بتغير السياسيين، ولكن يمكن أن يتحسن بمقدار قوة الإقناع والتفاعل الذي تقوده السعودية والدول القليلة التي باتت مؤثرة في المنطقة، والأهم من ذلك هو «المبادرة والقيادة»، وهو ما وفره «مبدأ سلمان»، الذي لا يتعارض مع «مبدأ أوباما».

في مثل هذا الوقت قبل عام مضى تبلور «مبدأ سلمان» مع انطلاق أول طائرة سعودية تقصف مواقع الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع صالح، بعدما تشاركا في انقلاب باليمن ضد الحكومة الشرعية والمسار السياسي هناك. وصفت يومها المبدأ بأنه استقلال القوى الإقليمية بقرارها، لكي تقود وتبادر مع الحرص على إشراك الولايات المتحدة في شكل غير مباشر، فكتبت يومها: «الدول الإقليمية القوية كالسعودية تستطيع أن تقود، وأن تغير التاريخ، على الأقل تاريخها. والولايات المتحدة عندما ترى الحزم فستستجيب وتتبع القائد الإقليمي، طالما أنه زعيم مستقل يتمتع بدعم شعبي وشرعية مع حزم وإصرار على المضي بما يريد، خصوصاً إذا كان ذلك متفقاً عليه أخلاقياً»، وتوقعت أن نجاح «عاصفة الحزم» في اليمن وهو ما يحصل بالفعل حالياً، سيؤدي إلى أن يصبح هذا المبدأ قاعدة تتكرر في غير مكان، وهو ما يحصل حالياً في سورية بعدما أبدت المملكة حزماً آخر، وأعلنت استعدادها بالتدخل البري هناك.

باختصار «مبدأ سلمان» يلغي شكوى أوباما من أن الخليجيين والسعوديين تحديداً يريدون «ركوباً مجانياً» كما نقل عنه غولدبرغ في مقالته الشهيرة، بل باتوا مستعدين للقيادة والمبادرة، ودوره فقط، أو بالأحرى دور بلاده كقوة عظمى في أن يكون حليفاً صادقاً، يحمي ظهورهم في مجلس الأمن، ويوفر الدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي يحتاجون إليه، (مرة أخرى هم قوة عسكرية كبرى)، فالسعودية لم تطالب أوباما بإرسال رجاله إلى سورية بعملية غزو لها مثلما فعل سلفه جورج بوش في العراق، بل لو كان القرار قرارها يومذاك لاختارت ألا يفعل ذلك. كل ما تريده السعودية ودول الخليج أن يتخذ أوباما موقفاً صارماً ضد التوغل الإيراني في المنطقة، ويساعدها في إنهاء حال الفوضى والإرهاب، وها هي فرصة أخرى سانحة له لتأكيد ذلك خلال الأسابيع المقبلة، لعله يغسل بها وصمة التراجع عن خطه الأحمر، التي ستلاحقه كرئيس سابق.

فالقضية السورية تمر بلحظة فارقة لا تقل عن جريمة القصف الكيماوي للغوطة قبل عامين، فمفاوضات جنيف التي أنهت جولة قبل أيام بوثيقة أعلنها المبعوث الأممي دي ميستورا تقضي بالشروع بتنفيذ آلية للحكم الانتقالي، وهو ما لا يزال النظام يرفضه حتى الآن بمناورات سياسية سخيفة بغرض تفريغها من استحقاقها الحقيقي بتنحي رئيس النظام وبناء نظام جديد، ولن يردع النظام عن ذلك إلا تدخل أميركي مباشر يشبه تصرف الرئيس الأميركي بيل كلينتون مرتين في البلقان، مرة في البوسنة بقصف الصرب حتى أتى بهم صاغرين الى دايتون بولاية أوهايو عام 1995، والثانية بقصف الصرب المتعنتين مرة ثانية في حرب كوسوفو عام 1999.

هذه الجدية هي ما تريده السعودية، وما يحتاجه النظام السوري لكي يقبل بقرارات المجتمع الدولي، وهذا لن يكون إذا استمر أوباما بتطبيق ما يعتقده «مبدأ» عدم التدخل، فحتى المفاوضات والحلول السلمية التي يفضلها الرئيس الأميركي تحتاج إلى قوة كي تستمر.

«مبدأ سلمان» يوفر المخرج لأوباما، فالسعودية لا تريد «ركوباً مجانياً» على حساب الولايات المتحدة، وقامت بمسؤوليتها في اليمن وسورية، وهي مستعدة لتحمل مزيد من المسؤوليات بدعم التحول السياسي السلمي فيهما، والمطلوب فقط من الولايات المتحدة أن تدعم حليفها الإقليمي القوي والمبادر في القضايا المتفق عليها بينهما، والجيد أن السعودية في سورية واليمن لا تدعم ديكتاتوراً ولا نظاماً طائفياً، ولا تفرض أجندة على شعبيهما مثلما يفعل الإيرانيون المتمتعون بإعجاب أوباما، وإنما تنفيذ قرارات أممية صوتت إدارته لمصلحتها.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مبدأ سلمان ومبدأ أوباما مبدأ سلمان ومبدأ أوباما



GMT 21:27 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يعني حضور محمد بن سلمان قمة العشرين؟

GMT 07:27 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

من مفكرة الأسبوع

GMT 07:07 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

التوقعات في أزمة «خاشقجي»

GMT 09:17 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مكاسب إيران في أزمة خاشقجي

GMT 08:08 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تكاليف أزمة خاشقجي ومآلاتها

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia