سلام في اليمن  سلام في السعودية

سلام في اليمن ... سلام في السعودية

سلام في اليمن ... سلام في السعودية

 تونس اليوم -

سلام في اليمن  سلام في السعودية

جمال خاشقجي

لدي خبر جيد لليمنيين، لقد باتت السعودية ملتزمة باليمن حتى بعد الانتصار في الحرب وسقوط الحوثيين والرئيس المخلوع ودولته العميقة، لم يقل ذلك أي مسؤول سعودي ولكنه من مقتضيات الحال، فالانتصار هناك بالنسبة للمملكة، ليس بتحقيق تلك الأهداف قصيرة الأجل وإن كانت مهمة، وإنما بتحقيق سلام كامل في اليمن، كي يكون هناك سلام في السعودية.

لقد أسقط جورج بوش الابن، صدام حسين ونظامه في العراق، ولكنه فشل في بناء عراق مستقر جديد على رغم قوة أميركا وجبروتها، ولا يزال الأميركيون وقبلهم العرب والعراقيون يسخطون عليه. الخبر الآخر الجيد أن السعوديين أحكم من جورج بوش.

الانتصار لن يكون بعودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى صنعاء، وإنما بتحقيق أهداف ثورة 2011 اليمنية ببناء يمن تعددي جديد يقوم على مبادئ الحرية والعدالة واحترام سيادة القانون، وما عدا ذلك يكون استمراراً للحال التي أوصلت اليمن إلى ما كان عليه قبل انقلاب الحوثيين والرئيس المخلوع، وإهداراً للجهد والروح الإيجابية التي سادت المنطقة بعد إطلاق «عاصفة الحزم»،

فالشرعية هناك ليست في هادي فقط وإن كان الرمز المتبقي منها، ومنها تأتي أهميته والقبول به على رغم تحفظات شتى القوى اليمنية على أدائه، الشرعية هي للثورة وأهدافها التي أوصلت الرئيس هادي إلى منصب الرئيس ليرعى عملية سياسية تفاوضية تنتهي وبالتوافق بين كل مكونات المجتمع إلى يمن جديد صيغت ملامحه في حلم شباب ضحى بحياته في ميادين التغيير طوال شهور مؤلمة عدة قبل أربعة أعوام قاسية.

تدريجياً، وبعد كل عملية قصف، وتقدم تحققه المقاومة الشعبية على الأرض، والانتصارات السياسية التي حققتها المملكة في مجلس الأمن والأروقة الدولية، يتأكد أن السعودية باتت مسؤولة عن اليمن أكثر من أي يوم مضى حتى يتحقق سلام كامل فيه، ومن ثم مشروع تنمية يجعل الزمن يبتسم لليمن بعدما بلغ حد إعلانه «بلداً فاشلاً» قبل هذه الأزمة، بل حتى قبل انفجار الربيع العربي في وجه استبداد صالح.

ربما «سلام كامل» يحتاج إلى عام أو اثنين، ولكن لا بد أن تبدأ عملية سياسية في اليمن بعدما تضع الحرب أوزارها لكي تعلن الرياض أنها حققت أهدافها، وستكون أكثر من أي وقت مضى مراقباً وضامناً وراعياً لها، ولكن لضمان نجاح العملية يجب عليها أن تعيد قراءة الحدث اليمني، فتتخلى عن تلك القراءة الخاطئة التي قادت إلى المبادرة الخليجية الشهيرة، الحريصة على «الاستقرار» فقط بالمحافظة على «النظام» وما هو بنظام وإنما دولة صالح الخربة التي انفجرت لاحقاً في وجه المملكة، وتستبدلها بقراءة صحيحة للتاريخ، وهي أن ثورة فبراير 2011 تطور حتمي وطبيعي لليمن، وتعبير عن تطلعات غالبية شعبه وهم الشباب، الرافضون للاستبداد، كان حوثياً أو عسكرياً يحكم باليمن مرة أخرى من خلال أمن ومخابرات، وإنما صيغة تشاركية تنظم تعددية المجتمع.

لقد رفضت المملكة طغيان الحوثي، ليس لأنه واجهة لتمدد إيراني لا تحتمله بجوارها فقط، بل لأنه أيضاً نظام حكم لن ينجح إلا بالقمع والتجبر على بقية مكونات الشعب هناك، بل سيكون أسوأ من صالح، فالأخير لم يكن عقائدياً يريد فرض «هوية» مختلفة على اليمنيين، إنما كان مهتماً بالحكم فقط، مستعداً أن يكون سعودياً، أو صدامياً، أو «إخوان مسلمين» وآخر تحولاته حوثي، طالماً أنه يحكم.

أما الحوثي فلديه مشروع ورؤية يريد فرضهما على اليمنيين، ولو استقر له الأمر فستشتعل ثورات واحتجاجات، فيقمعها مثل كل انقلاب، فيسيل دم جديد يجدد الثورة والغضب، يقسّم اليمن، هذا سبب آخر للسعودية دفعها للتدخل، وبالتالي يجب ألا تسمح الرياض بخروج نظام جديد يحكم اليمن يشبه صالح أو الحوثيين بعد الانتصار عليهما.

القراءة الصحيحة للتاريخ، أن الشرعية التي تدعمها المملكة في اليمن وتريد عودتها إليه، لا تقتصر على الرئيس هادي، إنه مجرد رمز عابر لها، بل إن ثورة فبراير 2011 هي قوامها، فهي التي أوصلت هادي إلى السلطة، ومعه منظومة كاملة من تطلعات شباب اليمن والذين غيبوا عن الساحة ولكن تسللت أفكارهم إلى لجان اجتمعت خلال جلسات الحوار الوطني ومسودة دستور.

للتعبير عنها، اتصلت بأحدهم، ممن شارك في الثورة، وعاش انتصارها، ثم اختطافها فهزيمتها، اسمه مأرب الورد، هذا اسمه الحقيقي وليس الكودي، صحافي يمني فحددها قائلاً: «ثورة فبراير رفعت مطلب إسقاط النظام السياسي وإقامة نظام ديموقراطي بديلاً عنه بالتدريج وإعادة الاعتبار للشعب كمالك للسلطة، بما يؤدي إلى بناء دولة حديثة يسودها حكم القانون والعدالة والمواطنة»، ويؤمن مأرب الورد بأن «مخرجات الحوار» التي لا تزال كل الأطراف اليمنية وعلى رغم الحرب والانقلاب تعتبرها مرجعية العملية السياسية الواجب العودة لها من قبل كل الأطراف بما في ذلك الحوثيون، إنما هي تعبير عن «عملية التغيير لتحقيق أهداف الثورة، ونؤمن بأنها وفرت حلولاً لمشكلات البلاد كافة، لكن الانتكاسة حصلت بعد ذلك وعدنا إلى ما قبل الثورة، حيث عاد صالح متخفياً بلافتة الحوثي، واتضح لنا أنه كان يملك دولة عميقة - إن صح التعبير - إذ ظهر أن كل شيء كان بيده من أجهزة أمنية وعسكرية وقضاء ومصالح اقتصادية، وهذا ما أدى إلى الانقلاب على العملية السياسية التوافقية الشرعية وإجهاض حلم شباب الثورة».

هذه القناعة جعلت مأرب وشباب الثورة يؤمنون بأن «بناء دولة مدنية لا يمكن أن يتم في بلد يعج بملايين من قطع السلاح المختلفة وخصوصاً المتوسطة والثقيلة منها، فلا بد من حصر حق تملك السلاح بيد الدولة، فهي الجهة الشرعية المخولة باستخدام القوة، لضمان التكافؤ وعدم استخدام طرف لقوته ضد آخر يفوز بأي استحقاق انتخابي، وهذا وحده كان الضامن لتداول سلمي للسلطة، لا تداول العنف والصراعات».

يعتقد مأرب أن سحب السلاح من السياسة اليمنية هو الحل، ويطالب بأن يكون بين أهداف عاصفة الحزم، فيقول: «الحوثيون ونتيجة لامتلاكهم أسلحة تماثل قوة الجيش لم يلتزموا بمخرجات الحوار التي شاركوا بها، ولم يحترموا العملية السياسية لقناعتهم بأن القوة كفيلة بتحقيق ما لم يحصلوا عليه بغيرها»، ويرى أنه «لو تم إجبارهم على التخلي عنها (الأسلحة الثقيلة) كشرط أو مقابل لإشراكهم بالحوار ولو أصرّ على ذلك (المبعوث الأممي المستقيل جمال بنعمر) لما وصلنا إلى هذا الحال، لكن للأسف لم يحصل حتى بعد انتهاء الحوار».

بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أن أفضل ما تفعله عاصفة الحزم هو «إنهاء الترسانة العسكرية للحوثيين وصالح، مع أني أعلم أنها مقدرات الجيش والأمن التي نهبوها وسيطروا عليها، ولكنّ إنهاءها سيوفر بيئة آمنة وحقيقية لبناء دولة للجميع ليس فيها قوي يستطيع أن ينقضّ عليها في أي وقت».

ما هي الدولة التي حلم بها مأرب الورد ورفاقه عندما كانوا يعتصمون في ساحة التغيير بصنعاء قبل أربعة أعوام؟ أجابني قائلاً الثورة «دولة ترعى مصالح المواطنين لا دولة الواسطة والحياد. دولة تحكم بالقانون لا بالعرف القبلي، دولة تستمع لصوت كل مواطنيها لا مشايخ القبائل ممن يبتزونها، دولة لا تحضر في السلم جابية للغنائم والضرائب وفي الحروب (الداخلية) تلوذ بالحياد حتى وهي طرف في الصراع».

اختتم حديثه بأن إصلاح القضاء كان في أعلى أولويات الثورة لبناء دولة قانون، «فالجهاز القضائي هو المناط به إنفاذ سلطة القانون، لأن القضاء كان غائباً وفي خدمة النظام لا الحق وإنصاف الناس».

إنها طلبات منطقية، ولو حققتها المملكة لشعب اليمن، لا بتدخل مباشر وإنما بحماية عملية سياسية آمنة تفضي إليها، فإن ذلك كفيل بتحويل اليمن إلى بلد سعيد منتج، لا فاشل يحكمه ديكتاتور يستجدي المملكة والخليج مالاً لكي يوفر استقراراً عجز عن توفيره بسوء إدارته وإقصائيته.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلام في اليمن  سلام في السعودية سلام في اليمن  سلام في السعودية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مراهق فلبيني يدخل فرّامة كفتة لتنتهي حياته

GMT 20:36 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أفضل أنواع وتصميمات الأحذية الرياضية وطرق العناية بهما

GMT 05:00 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تعيين أول مسؤول في إدارة بايدن

GMT 05:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

نظام غذاء سري لأكبر أنواع أسماك القرش في العالم

GMT 06:08 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعزز صدارته بفوز شاق على شيفيلد يونايتد

GMT 12:01 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

رونار وفكر الثوار

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 10:09 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

Isuzu تتحدى تويوتا بسيارة مميزة أخرى

GMT 18:28 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

مجلس الشعب السوري ينفي إصدار بطاقات هوية جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia