سعودي يريد الخروج من دائرة الفقر

سعودي يريد الخروج من دائرة الفقر

سعودي يريد الخروج من دائرة الفقر

 تونس اليوم -

سعودي يريد الخروج من دائرة الفقر

جمال خاشقجي

التحديات الخارجية التي تواجه السعودية عدة، ولكنها أيضاً تواجه تحديات داخلية لا تقل بأساً وشدة، أهمها الفقر والبطالة.

في كوميديا سوداء، شرَح الفنان السعودي ناصر القصبي في مسلسله الشهير «سلفي» حال فقر وبؤس اجتمعتا على مواطن، يعمل حارس أمن، وانتهت الحلقة بغضبة المواطن البائس، يصرخ على رجال أعمال أثرياء طالما خدمهم، ولكنهم بالكاد يتذكرونه، يفقد أعصابه ويثور عليهم في فورة غضب غير محسوبة، بعدما سدت في وجهه احتمالات الخروج من دائرة الفقر التي يعيشها.

بعيداً عن الكوميديا، فإن الخروج من دائرة الفقر في المملكة صعب جداً على رغم ثراء البلاد وعطف حكومتها، التي تخصص بلايين لمساعدات الضمان الاجتماعي، ولكن كل هذه المساعدات قد توفر للفقير «الكفاف» الذي يحتاجه للعيش في حده الأدنى، ولكنها لن تخرجه من دائرة الفقر، فلماذا؟

لأن سوق العمل السعودية مشوهة، محتلة من ملايين الوافدين الذين يعملون في شتى الوظائف ويسيطرون على الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وهي الأعمال التي يخرج عبرها الفقراء إلى الاكتفاء، ومنه إلى موقع مناسب في «الطبقة المتوسطة» العريضة التي تشكل قوام كل المجتمعات الطبيعية، ومن ثم قد يجد بعضهم طريقه إلى الأعلى حتى الثراء.

لو جمع صاحبنا حارس الأمن القليل التعليم - الذي شاهدته غالبية السعوديين في «سيلفي» - بعضاً من المال، أو اقترضه من أحد صناديق دعم المبادرات، وقرر أن يلج سوق التجزئة آملاً بأن يجرب حظه في السوق والبيع والشراء، مثلما فعل أجداده من قبل وشكلوا الطبقة السعودية المتوسطة، فهل سينجح في ذلك؟

مثل غيره، سيبدأ من مشاريع تقليدية، وبقالة، وبيع حلويات، وتوصيل طلبات، وبيع مواد بناء، وهكذا بدأ أفضل التجار، وهكذا يفعل كل مغامر وطموح في أي بلد في العالم، سيجد صاحبنا أن السوق محتلة من أجانب، سبقوه إلى السوق فأصبحوا أفضل منه خبرة ومعرفة بأسرارها، كونوا شبكة معارف وخدمات في ما بينهم، ليسوا مواطنين ولا من أبناء قبيلته أو مدينته فيشاركونه الخبرة والنصح أو يقرضونه مثلما كان يفعل الأجداد، بل إنهم غير مستعدين لمجالسته فهو لا يعرف لغاتهم ولا عاداتهم، إنه الغريب في وطنه. أتخيل ناصر القصبي يمثل دور حارس الأمن وهو يجول في البطحاء بالرياض، يحمل في جيبه 50 ألف ريال هي كل ما يملك، يبحث عن متجر يستأجره، أو بضاعة يشتريها بالجملة، سيكون وحده هائماً لا يعرف أحداً، ولا يعرف لغة محدثيه، كأنه في لاهور أو داكا، تبتعد الكاميرا بالتدريج، ليظهر الحي، وتظهر المدينة، إنها الرياض ببرجي المملكة والفيصلية، تدخل الكاميرا أحد المكاتب هناك حيث يعمل سعوديون بوظائف مرموقة، هؤلاء السعوديون الآخرون، الذين تعلموا في الخارج، الحاصلون على شهادات عليا، أبناء علية القوم، مزدوجو اللغة، تعود الكاميرا إلى ناصر القصبي ينظر بعينين زائغتين إلى الوجوه الآسيوية التي تبيع وتشتري مع سعوديين وأجانب، تحمل بضاعة وتنزل أخرى، يوقعون عقوداً ويتبادلون أموالاً، تعود الكاميرا إليه وهو منكسر، أدرك أن لا مكان له هنا، ينظر بعيداً نحو أبراج رجال الأعمال البعيدة كأنه يقول: وما ذنبي أنا إن كنت قليل التعليم، هل قدري أن أبقى مجرد حارس أمن، أتقاضى فتات المال، من دون آفاق في تطور وظيفي حقيقي، علاوتي لا تزيد عن 200 ريال كل عام أو عامين، هل حان الوقت أن أستجدي بخشيشاً من كل رجل وسيدة أفتح لهما باب سيارتهما؟

لا، بل حان الوقت أن نحرر سوق التجزئة السعودية بالكامل، ليعود إليها كل سعودي لم يكمل تعليمه، أو ضاقت به سبل الرزق، ونحتمل كل تقصير وتعطيل سيمر بنا لسنوات قليلة، نتحمل أبناءنا وإخواننا المواطنين وهم يكتسبون الخبرة أو يستعيدونها، هكذا هي حال كل بلاد العالم، وهكذا ينبغي أن تكون السوق السعودية. حينها سنرى حارس حلقة «سيلفي» مبتسماً، وقد اصطحب معه ابنه إلى متجره، يصرخ فيه قائلاً: «انتبه يا واد على الدكان، أنا رايح لعمك صدقة، أتفاهم معه على بضاعة جديدة وراجع، فاهم يا واد».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سعودي يريد الخروج من دائرة الفقر سعودي يريد الخروج من دائرة الفقر



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia