موسكو المحاصرة في حلب

موسكو المحاصرة في حلب

موسكو المحاصرة في حلب

 تونس اليوم -

موسكو المحاصرة في حلب

بقلم : مصطفى فحص

تهيأ القيصر الجديد لتسديد ضربة قاضية لجميع خصومه، وهو الذي اعتقد لعشرة أشهر مضت، أنه لم يعد في الحلبة السورية من يجرؤ على منازلته، وخرج وزير دفاعه وهو الرجل الأقوى في إدارته سيرغي شايغو ليعلم العالم أن بلاده منحت السوريين ثلاثة ممرات آمنة للخروج من حلب، وأعطى فرصة للمسلحين لتسليم سلاحهم، ضامنا لهم الحصول على عفو عام سيمنحه الرئيس بشار الأسد، يغفر لهم ذنب تمردهم على سلطته. ففي مساء الـ27 من يوليو (تموز)، وهو التاريخ الذي عقد فيه الوزير شايغو مؤتمره الصحافي، حيث أعلن عن اكتمال حصار المدينة، ساد العالم والمنطقة صمت مريب، فقد كانت التوقعات الأكثر تفاؤلا ترجح إعلان الشعب السوري استسلامه، والمعارضة هزيمتها.

ولكن على أبواب حلب، لم يفلح فلاديمير بوتين، المصر على تكرار أخطاء أسلافه السوفيات الذين سبقوه في السقوط بامتحان القوة، وفاته كما فاتهم في أفغانستان والشيشان أنه مهما امتلك من إمكانيات، فإنه لن يتمكن من إرضاخ أصحاب الأرض، فهم وحدهم يمتلكون المكان ويتحكمون في الزمان. سوء الحسابات أصاب بوتين وجنرالاته بالعمى الاستراتيجي، واعتقدوا للحظة أن طائراتهم تستطيع تغيير مسار الحرب والتحكم في نتائجها، فحصار حلب الذي أراد بوتين تحويله إلى حصار للمعارضة والثورة ولخصومه الإقليميين والدوليين، بدأ يتحول إلى حصار سياسي خانق له، من الصعب أن ينجح في فكه مهما حاول من استخدام القوة، فالمعادلة العسكرية والسياسية التي فرضتها المقاومة السورية وداعموها في موقعة حلب، نقلت موسكو من موقع المتفرد بالقرار السوري إلى رهينة مجبرة على التأقلم مع المستجدات في صناعة القرار الدولي، ولن تسمح لها المرحلة المقبلة بتجاوز ما تم تحقيقه في العشرة أيام الأخيرة.

في حلب الآن، ضاقت خيارات روسيا، ولم يعد أمامها إلا اللجوء إلى الكي باعتباره وسيلة أخيرة لمداواة جراحها السورية العميقة، والكي بالمنطق الروسي هو تدمير المدينة فوق رؤوس من فيها، والمشاركة المكشوفة إلى جانب ميليشيات مذهبية في غزوها، وكأنه يسير بملء إرادته إلى ما تجنبته دول تتفوق عليه في قدراتها العسكرية والاقتصادية، ونأت بنفسها مبكرا عما وصفته بالصراع الطائفي حول سوريا، كما أن الانقلاب الأخير في موازين القوة، لم يعد يسمح لموسكو بالتمسك بإعادة تعويم الأسد ونظامه، وقد أصبح العالم على قناعة نهائية بأنه لا إمكانية للحل بوجوده، إضافة إلى فشل موسكو الذريع في ترميم ما تبقى من جيش الأسد، وتأمين اللازم لانتشاره، ما كشف عن اعتمادها الكبير على المرتزقة الإيرانية.

لم تستبعد أوساط روسية إسقاط المروحية العسكرية فوق ريف إدلب بصاروخ أميركي، فهي رسالة واضحة بأن قواعد اللعبة بدأت تتبدل، وبأن إمكانية تحييد الطيران الروسي ممكنة، وهو بمثابة إنذار أميركي مبكر بأن المقيم الجديد في البيت الأبيض، سيختلف حتما في تعاطيه مع الملفات الروسية عن سلفه، وهو ما سيجبر موسكو على تغيير سلوكها، ويضعها أمام امتحان إثبات قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، وفي مقدمتها إقناع الأسد بالتنازل عن السلطة، ما سوف يكشف حجم تأثيرها على النظام مقارنة بالتأثير الإيراني.

امتحان أمهلها إياه من تبقى لها من أصدقائها العرب، بأن تخرج بتوازن مقبول يضمن لها مصالحها في سوريا والمنطقة، وينقذها من الحصار الإقليمي الذي فرضته على نفسها، عندما حاولت من حلب اللعب بالثوابت الجيو ­ سياسية، التي حكمت قواعد الاشتباك في المنطقة، والتي جعلتها أيضا محاصرة بشروط العثماني المتمرد على حلفائه التقليديين، الذي يملك موهبة الأكل على الفكين، لكنها تحاول استمالته على الرغم من قناعتها بأن جسده في بطرسبرغ وعقله في واشنطن.

وعليه، لم تعد الأشهر المتبقية لأوباما في البيت الأبيض تكفي موسكو لتثبيت تفاهمات كيري ­ لافروف =حول سوريا، حيث تواجه صعوبة في تمرير رؤيتها لتصنيف الجماعات السورية المقاتلة، ما يضعها أمام خيارين، إما الاكتفاء بعمليات جوية شبه محدودة، وإما أن تعلن عن عدم قدرتها على التفريق بين الإرهاببين والمعتدلين وتستمر في قصفها العشوائي، وهو ما بات من الصعب تمريره في الرياض وأنقرة، ومن الممكن أن ترفضه أجهزة الدولة الأميركية التي قد تدفع البيت الأبيض إلى التصعيد على أكثر من جبهة، ما سوف يضيف من أعبائها، كما يزداد قلقها جراء قرار الدول الإقليمية الفاعلة ملء الفراغ الأميركي في المنطقة وهو تحد إضافي لها.

موسكو المحاصرة في حلب أضاعت الفرص وتخسر الآن عامل الوقت، ولم يعد لديها من الزمن ما يكفي لتستخدمه في تمرير أجندتها، وهي تدرك جيدا أن عقارب الساعة تسير باتجاه واحد! وعن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موسكو المحاصرة في حلب موسكو المحاصرة في حلب



GMT 08:48 2019 الأربعاء ,20 شباط / فبراير

المرجعية الدينية ورعاية المواطن العراقي

GMT 04:58 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

السيستاني ورعاية الوطنية العراقية

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

سوريا بين قيصرين

GMT 07:23 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

العبادي ما بعد السلطة و«الدعوة»

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

إيران... الضربة آتية من الداخل

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia