نصر الله وحرق المراكب

نصر الله وحرق المراكب

نصر الله وحرق المراكب

 تونس اليوم -

نصر الله وحرق المراكب

مصطفى فحص

حمل الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، جملة من المبررات الإضافية، للداخل اللبناني، والطائفة الشيعية، والخارج العربي الإسلامي، حول التدخل العسكري لحزبه في سوريا، وقدم ما عده نتائج إيجابية لهذا التدخل، يمكن استثمارها سياسيا في سوريا ولبنان، وركز نصر الله في خطابه على أن اللبنانيين والعرب سوف يشكرون الأسد وحزب الله في المستقبل، على حربهم ضد ما يسميه الإرهاب، مكررا اختزاله ثورة الشعب السوري بـ«داعش» و«جبهة النصرة».
وقد أضاف نصر الله التحول الميداني لصالح قوات الأسد على الأراضي السورية، المدعوم بمقاتلين من حزب الله وميليشيات عراقية بإشراف إيراني، إلى مجموع الانتصارات التي حققها هذا المحور، على ما سماه مواجهة المشروع الأميركي في المنطقة (الذي يتحاورون ويتفاهمون معه الآن). لكنه في الوقت نفسه غاب عن باله أن هذه الانتصارات فرضت حرب استنزاف في سوريا، لن يقوى أي مشارك فيها، ولو تحقق له النصر في مرحلة معينة، على أن يحسم جولاتها لصالحه، أو أنه سيتمكن من الخروج منها سالما، وذلك بالمقارنة مع تكاثف الانعكاسات الخطرة التي ولدها هذا التدخل على النسيج الاجتماعي السوري، وارتداداته المباشرة وغير المباشرة في المقبل من الأيام على الطائفة الشيعية في لبنان.
لا يتجاوز عدد الشيعة اللبنانيين 32 في المائة من إجمالي عدد السكان، ومن ثم لن يكون بإمكانهم مهما راكموا من قوة وقدرات أن يتحكموا في مصير المنطقة، والسير بها عكس إرادة التاريخ، وإن تحققت لهم الغلبة في لحظة تراجع واستهتار من قبل المكونات الأخرى في لبنان والمنطقة، خصوصا لدى الغالبية السنية، بل على العكس فقد يكون حزب الله بذلك قد قاد الطائفة الشيعية نحو أول تحد مفصلي لها في تاريخها الحديث ووضعها في مواجهة مصير غامض غير محمود في حال سقط نظام «البعث»، بعد أن قام بربط مصالحها بمصالحه وربط هذه المصالح مجتمعة ببقاء الأسد، إلا أن يضم سوريا بشكل نهائي إلى سلطته المباشرة، لندخل في خراب عظيم، لا يعلم إلا الله مدى خطورته.
خطاب السيد نصر الله الأخير كان بمثابة إصرار على حرق كل المراكب مع الشعب السوري، الذي وإن كان غير موافق على سلوكيات بعض من التحق بالثورة وشوهها، إلا أنه بأغلبيته هو ضد الأسد، ولن يكون من السهل عليه تجاوز المحنة، التي تسبب له فيها نظام الأسد، ومن وقف إلى جانبه، مما يعزز فرضية استمرار المواجهة المفتوحة بين سنة سوريا وشيعة لبنان داخل الأراضي السورية حاليا، وعلى طرفي الحدود مستقبلا، فيكون حزب الله بذلك فتح جبهة جديدة في شرق وشمال شرقي لبنان على طول الحدود مع سوريا، شبيهة بتلك التي كانت مع إسرائيل في الجنوب والبقاع الغربي، ومهما تجاهل احتمال وقوعها واطمأن فإنها قادمة عاجلا أو آجلا، لأسباب موضوعية يعرفونها جميعا، لكنه في هذه المواجهة لن يحصد تضامنا لبنانيا وعربيا، كالتضامن الذي حصده أثناء مقاومته إسرائيل، بسبب الرفض العربي الإسلامي المطلق لتدخله في سوريا.
حزب الله القوي والمتمكن اجتماعيا واقتصاديا وعسكريا، الذي أعلن على لسان أمينه العام أنه لم يعد بحاجة إلى أحد (لا رئيس جمهورية ولا سلطات تشريعية أو تنفيذية أو قضائية)، والذي تشكل الطائفة الشيعية البيئة الحاضنة لسياساته (مع ضرورة التدقيق في دعوة الإجماع الشيعي عليه) - يقدم نفسه على أنه المدافع الوحيد عنها وعن مكاسبها والحامي لوجودها ومصيرها، اختار لها الوجهة التي يرغب فيها، مغامرا بكل مقدراتها ومصائر أبنائها، مغلبا مصلحة المحاور وأهدافها على مصلحتها الوطنية، في مشهد هو أقرب إلى انتحار جماعي، على غرار عملية طائرة مانهاتن المخطوفة في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 التي لم يسأل قبطانها الركاب عن وجهة سفرهم، فحزب الله قاد الطائفة الشيعية إلى حيث اصطدمت بأبراج الثورة السورية، وأسقط الشعبين اللبناني والسوري في مواجهة دموية، سوف تقضي، إن استمرت، على كل منهما، ولا نجاة من هذا القدر المحتوم إلا إذا تمكن العقلاء في طهران من إقناع ممول الطائرة الإيراني، بالعدول عن هذا المغامرة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصر الله وحرق المراكب نصر الله وحرق المراكب



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia