محمود مسلم
فى بلاط صاحبة الجلالة يلتقى المرء بكثيرين، لكن ظروف المهنة دائماً تباعد بين أبنائها لأسباب كثيرة، منها الشهرة والانشغال المستمر وعدم وجود محفزات اجتماعية بالمؤسسات الصحفية.. وأخيراً عمل أغلبهم فى أكثر من مكان. لكن الظروف أتاحت لى الارتباط بعلاقة مهنية وإنسانية وتوافق فى رؤى كثيرة سياسية وإدارية وحياتية مع ذلك الرجل الذى عايشته فى تجربتين متميزتين بحياتى المهنية (جريدتى «المصرى اليوم» و«الوطن»).. وإذا كان القراء لا يعرفونه كثيراً، فإن المهنيين يعلمون حجم دوره وإبداعه وتأثيره فى التجربتين وغيرهما.. إنه الفنان الدكتور أحمد محمود، رائد مدرسة الإخراج الصحفى الحديث، وأستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة. ومن وجهة نظرى أنه من القليلين الذين جمعوا بين نظريات الصحافة وتطبيقاتها فى مصر، لكن الأهم أنه فى كل التجارب التى مارسها كان الراعى لقيم المهنة ورسالتها، أو كما كان يسميه المهندس صلاح دياب، مؤسس «المصرى اليوم»: «ضمير المكان».
اختلفت معه كثيراً فى بدايات معرفتنا فى «المصرى اليوم»؛ فالرجل يؤمن أن الصحافة «موقف»، بينما كنت أنحاز أنا إلى نظريات «الحياد».. لكن ظروف مصر وانكشاف الإعلام العالمى بعد ثورة 30 يونيو، جعلتنى أنحاز لمواقفه.. كما أنه بحكم عمله ينحاز للمساحات الجمالية؛ بما فيها الصورة والرسم والفراغ، بينما أنحاز أنا للكلمة؛ سواء العناوين أو المتن، فقبل أن نعمل معاً كنت أعتقد أن قيمة الكلمة هى الدافع الرئيسى والوحيد لقراءتها، لكن مع د.أحمد محمود اقتنعت أن وسائل إبراز الكلمة لا تقل عن قيمتها.
يحمل د.أحمد طاقة إبداعية تتفجر على الصفحات.. ورؤية مهنية وإدارية ينير بها الطريق لأى رئيس تحرير يجلس بجواره، وقد عمل مع قامات صحفية، بداية من عبدالله إمام، إلى عادل حمودة، وإبراهيم عيسى، وعمرو خفاجى، وصولاً إلى مجدى الجلاد، حتى بقى مع «الجلاد» على مدى 10 سنوات فى تجربتى «المصرى اليوم» و«الوطن»، بينهما كيمياء وخلطة مهنية مؤثرة، لأنه دائماً قادر على لعب أدوار أخرى غير إخراج الصحف؛ فيملك مهارة اكتشاف الموهوبين فى التصوير والكاريكاتير والكتّاب والمحررين أيضاً.. وأى رئيس تحرير يمكن أن يأمن له أنه القارئ الأول، فيستطيع تعديل الرؤى دون إقحام، وتصويب الأخطاء دون بحث عن دور؛ لأنه طوال الوقت -سواء فى الجامعة أو الصحف- يُعلّم ويتعلم، يبحث عن الجديد فى العالم، واستطاع خلال الفترة الأخيرة تصدير خبرته فى الإخراج والتصميم والتدريب إلى بعض الدول العربية.
يهوى أحمد محمود مصاحبة الموهوبين، وعلى رأسهم زعيمهم الصديق محمود الكردوسى، وينزعج إذا جلس صديق له فى منزله دون عمل، فتجده لا يهدأ إلا إذا ذهب به إلى مكان.. يحمل قدراً كبيراً من فنيات المهنة وقيمها، ونظريات إدارية، ومفردات الصناعة من الطباعة إلى التدريب والتكنولوجيا.. وبالتالى فهو مؤسسة صحفية متنقلة.. ومع ذلك تجد فرحة الأطفال فى عينيه مع كل عمل إبداعى ينجزه، ومع كل نجاح لصحيفته.. وتجده مهموماً بالمهنة خاصة أنه «معجون» فيها فى الجامعة والصحيفة، نهاراً وليلاً، يبدو أنه «وهب» نفسه لها محافظاً على ثوابته وقيمها.. ومن هموم المهنة لا ينفصل عن معاناة العاملين فيها، لذا كانت سعادتى كبيرة عندما اكتشفت أن اسمه الحقيقى نفس اسم شقيقى.. أحمد محمد محمود!!