محمود مسلم
كشفت قضية خفض الدعم عن حالة غريبة لدى البعض تهدف إلى التربص بالمشير عبدالفتاح السيسى، فرغم أن القرار يكاد يكون متفَقاً عليه من النخب المصرية بأن الدعم يُرهق ميزانية الدولة فإن بعضهم استغله لدغدغة مشاعر الناس ضد «السيسى» بحجج شكلية واهية، وإذا كان هذا أمراً غير مستغرب من جماعة الإخوان وعملائها، ومتوقعاً من بعض النخب التى تكره الجيش وتناصب «السيسى» الخلاف، لكن أن يصل الأمر إلى أن بعض مؤيدى «المشير» يخرجون يتحدثون عن «إسقاطه» بمبالغات شديدة للأزمة فهذا ما يجب الانتباه إليه.
قلت لـ«السيسى» فى اجتماعه مع القيادات الصحفية خلال حملته الانتخابية إن «المايعين» أصبحوا أخطر على مصر من الإخوان، وكل يوم ينكشف هؤلاء، فمن لم يجد له مساحة فى الدائرة القريبة من «السيسى» انقلب عليه، ومن لم يُدعَ فى اجتماع أو حفل أصبح أداء الرئيس الجديد هدفاً لكلماته.. ومن لم يجد مصلحة فى النظام الجديد -الذى لم يكوِّن دوائر مصالح حتى الآن ونتمنى استمراره على هذا النهج- تنكر له من خلال التجارة بالفقراء ومحدودى الدخل، أو بأهداف الثورة، وغير ذلك من الشعارات التى اعتاد البعض ترديدها للظهور فى المشهد وتحقيق المكاسب المختلفة.
من حق الجميع انتقاد «السيسى»، فهو ليس ملاكاً، لكن أن يصل الأمر بالدعوة إلى «ثورة ثالثة»، فالأمر يدعو للمراجعة، لأن مصر فى مرحلة لا تحتمل ثورة أخرى، فقد انهار المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على مدى أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة، وعبر ثورتين، ولا يوجد أى وجه للمقارنة بين «السيسى» و«مرسى»، فالأول قائد وطنى مخلص منتخب، بينما الآخر عابث مضلل عاجز وفاشل «أطلقت هذه الأوصاف عليه أثناء حكمه»، وبالتالى يجب إعطاء الفرصة لـ«السيسى» لا أن يلعب البعض مع الإخوان بسذاجة أو سوء نية على إسقاط الرجل، رغم أن التكلفة باهظة ليس على الرئيس، بل على مصر والمنطقة كلها.
لقد اشتم الشعب رائحة الاستقرار مع وصول قائد منتخب بأغلبية كبيرة جداً إلى الحكم وسيصيب الرجل وسيخطئ، وعلى المختلفين أن يبحثوا عن آليات قوية لمعارضته من خلال البرلمان، وليس من طريق «الهرى» على الفيس بوك وتويتر، والتحدث باسم الشعب دون أن يدركوا أن المصريين استوعبوا دروساً كثيرة خلال السنوات الماضية وأصبح قرارهم فى أياديهم دون وسطاء أو محترفى ثورات يتكسبون من وراء الشعارات والثورات بدليل أن معظم الشعب وأغلبيته استوعبوا خفض الدعم على الطاقة، بينما أصوات الرفض على الفيس بوك وصلت عنان السماء وتشعرك بأن المصريين كلهم خرجوا إلى الشوارع لرفض «السيسى»، رغم أنهم انتخبوه بأغلبية ساحقة منذ شهر تقريباً!!
على المتربصين بـ«السيسى» سواء من أعدائه الذين لا يجدون معه فرصة لخيانتهم وتجاوزاتهم، أو مؤيديه الذين لم يجدوا مساحة مصالح مع نظامه أن يكفوا، فالمخاطر تحيط بالبلاد من كل جانب.. و«السيسى» ما زال أفضل بديل مطروح خاصة مع عجز الأحزاب السياسية وضعفها وتشتتها، أما المختلفون سياسياً مع «السيسى» فليصبروا قليلاً ويقدموا أفكارهم لبناء الوطن، فمصر الآن أحوج ما تكون إلى «الشفقة» عليها.. واتركوا أوهام انطلاق الثورة الثالثة للإخوان وعملائهم!!