د. وحيد عبدالمجيد
لا تحظى الجوائز الثقافية التى تقدمها سلطات الحكم بمصداقية أو تقدير فى البلاد الديمقراطية التى تنتشر فيها ثقافة تقوم على استقلال المجتمع وحرية أفراده، بخلاف تلك التى تمنحها هيئات أو لجان موثوق فى مهنيتها حتى إذا أحاطت بها شكوك فى حالة أو أخرى. ولذلك كفت الحكومات فى معظم هذه الدول عن تقديم جوائز رسمية تحمل اسم الدولة، أو تمنحها وزارات أو هيئات تتبع هذه الحكومات.
ولم يبق منها إلا القليل0 وحتى فى الدول التى يجد قدر معقول من الثقة فى هيئاتها الرسمية التى تمنح جوائز مثل فرنسا، يتكرر رفض مبدعين كبار هذه الجوائز. وكان آخرهم عالم الاقتصاد الكبير توماس بيكيتى مؤلف كتاب «رأس المال فى القرن الواحد والعشرين» الذى صدر العام الماضى ويعد أهم اختراق فى العلم الاقتصادى منذ كتاب جون كينز «النظرية العامة فى العمل والنقود والفائدةس»الصادر عام 1936. فقد رفض بيكيتى وسام جوقة الشرف الذى قرر الرئيس الفرنسى أن يمنحه إياه، لاعتراضه على السياسات الاقتصادية التى يتبعها هو وحكومته، لأنها تُكرَّس التفاوت الاجتماعى الذى يحلل الكتاب أبعاده وأخطاره. ويذكرنا ذلك ببضع حالات رفض فيها مثقفون مصريون كبار جوائز رسمية تقدمها وزارة الثقافة، ومنها حالتان مختلفتان فى ملابساتهما ودلالاتهما، إحداهما انطلاقا من موقف مبدئى ينحنى له المرء إجلالاً، والثانية تطلعا إلى جائزة أفضل. فقد رفض المبدع الكبير صنع الله إبراهيم عام 2003 جائزة الرواية العربية التى يمنحها المجلس الأعلى للثقافة (وقيمتها مائة ألف جنيه) اعتراضا على سياسات السلطة وحكومتها. وحرص على أن يعلن هذا الموقف فى يوم توزيع الجوائز لكى تنتشر الرسالة المتضمنة فيه على أوسع نطاق.
وهى رسالة تليق بمبدع كرَّس حياته وفكره، وليس أدبه فقط، من أجل قيم الحرية وكرامة الإنسان والعدالة الاجتماعية. ومازال يواصل إبداعه، ويرعى أجيالا جديدة من المبدعين فى آن معا. أما الحالة الثانية المختلفة تماما فهى رفض الرسام الكبير جورج البهجورى عام 2006 تسلم جائزة التفوق التى يمنحها المجلس الأعلى للثقافة أيضا، ولكن ليس لاختلاف على المبدأ بل لاستهانته بها وتطلعه لجائزة رسمية «أعلى» حيث قال وقتها إنه لا يقبل أقل من »جائزة مبارك«!