بين الموت والحياة

بين الموت والحياة!

بين الموت والحياة!

 تونس اليوم -

بين الموت والحياة

د. وحيد عبدالمجيد

إذا كان المنهج الذى يساعد فى فهم الأشياء من خلال مقارنتها مع نقائضها ينطبق على كل شىء فى الحياة تقريباً، فهو أكثر انطباقاً فى حالتى الحرب والسلام.

ولعل هذا هو أحد أسباب كثيرة أعطت رواية تولستوى المشهورة «الحرب والسلام» تميزها وجعلتها فى مقدمة الروايات الأكثر رواجاً على مدى ما يقرب من قرن ونصف قرن منذ اصدارها فى نهاية ستينيات القرن التاسع عشر.

وتُعد هذه الرواية أكثر الأعمال الأدبية تعبيراً عن حالتى الحرب والسلام بوجه عام وعلى مر الأزمان، رغم أنها تتعلق فى الأساس بالحروب النابليونية التى وقعت بين 1805 و 1814. وربما يعود ذلك إلى قدرة تولستوى الفذة على أن يجعل رواياته التاريخية نابضة بمشاعر الناس البسطاء، فى الوقت الذى كان المؤرخون غير معنيين إلا بأفعال القادة الكبار العظماء منهم والحقراء.

ويبدو أجمل ما فى «الحرب والسلام» على هذا النحو المشاعر المتدفقة من شخصيات مثل ناتاشا وبيير بيزوكوف وبلاتون وغيرهم فى بحثهم عن الخلاص، وإدراكهم أنه يكمن فى الحب وفعل الخير. ولذلك لا يستطيع من قرأ هذه الرواية إلا أن يستحضرها وهو يتابع المآسى الإنسانية المترتبة على الحروب التى تجتاح منطقتنا فى الوقت الراهن، وآلام ملايين البشر وعذاباتهم فى سوريا والعراق واليمن وليبيا، وفى بلاد أخرى بدرجة أقل.

وكم من مشاهد تربط هذه الفواجع برواية تولستوى، وخاصة تلك التى يظهر فيها حب ضحايا الحروب للحياة ومحاولاتهم الدائبة للإفلات من الموت الذى يحاصرهم من كل اتجاه، والتمسك بأمل فى مستقبل ما، ومساعدة بعضهم البعض فى ظروف تتجلى فيها الإنسانية فى أبسط معانيها وأكثرها عمقاً.

وقد استحضرت «الحرب والسلام» فى ذهنى حين قرأت قبل أيام مقالاً موجعاً فى صحيفة «الحياة» عن تعلق أسرة سورية بالحياة فى قلب حرب لا ترحم، ومعاناتها خلال عبورها حاجزين أمنيين قريبين من بعضهما البعض فى دير الزور أحدهما يسيطر عليه نظام بشار الأسد والثانى يخضع لتنظيم «داعش».

عبرت الأسرة الحاجز الأول بعد أن تسلم الضابط 300 ألف ليرة سورية لكل فرد وقال لهم (انقلعوا لعند داعشكم)، أى (غوروا عند داعش بتاعكم) بالعامية المصرية. وكأن مجرد سعيهم للعبور هربا من حصار خانق يقتلهم ببطء كل يوم يعنى أنهم يفضلون «داعش»، وهم الذين كانوا يهربون من موت إلى موت أملا فى النجاة، مثلهم مثل كثير من السوريين الذين يتمسكون بالحياة فى أوضاع لم يعبر عن مثلها أدبياً أحد مثل تولستوى فى «الحرب والسلام».

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الموت والحياة بين الموت والحياة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia