د. وحيد عبدالمجيد
الأصل فى الانتخابات، أى انتخابات، أنها ساحة للتنافس العام بين اتجاهات وبرامج وأفكار ومواقف متعددة ومختلفة لكل منها ما يختلف فيه عن الآخر
وما يميزه عن غيره. ينطبق ذلك على انتخابات طلابية فى مدارس وجامعات، وعلى انتخابات محلية فى قرى وأحياء. ولكن إذا جاز أن تخرج انتخابات على هذا المستوى المحدود أو ذاك عن الأصل فلا يصح بل لا يُعقل أن يحدث ذلك فى الانتخابات النيابية العامة لأنها تمثل أعلى مستوى من التعبير عن الاختيارات الشعبية.
ولذلك يبدو غريباً ومفجعاً أن تفتقد الانتخابات النيابية الجديدة الذى فُتح باب الترشح لها يوم الأحد الماضى التعدد السياسى والفكرى، وأن تكون فى شقها المتعلق بالأفراد صراعاً بدائياً بين أصحاب القوة بمصادرها الأساسية خاصة المال والعصبيات العائلية والعشائرية والنفوذ المحلى، وأن تبدو فى جانبها الخاص بالقوائم المطلقة سباقاً فى المزايدة على الوطنية وحب مصر والغناء للوطن، وكأنه كتلة صماَّء متجمدة لا حياة فيها ولا بشر يختلفون فى مواقعهم على السلم الاجتماعى، وبالتالى فى حاجاتهم ومشاكلهم ومصالحهم، بما يفرضه ذلك من أن يكون كل من هذه القوائم معبراً عن اتجاه فى التعامل مع هذه الأوضاع، وعن سياسات محددة يعرف الناخب من خلالها انحيازات المرشحين فيها الاقتصادية والاجتماعية.
فلا يليق بمصر، التى سبقت منطقتها والكثير من بلاد العالم إلى طرق أبواب العصر الحديث فى مطلع القرن التاسع عشر، أن يفتقد المشهد الانتخابى فيها أبسط مقومات الانتخابات الحديثة، وأن يكون الخطاب الغالب فيه أقرب إلى الأغنيات التى تدغدغ المشاعر الوطنية، والأناشيد الشعبوية (أى التى تتحدث باسم الشعب وكأن منشديها وكلاء حصريون عنه).
فالمزايدة على الوطنية، كما يتضح من الأسماء التى تحملها قوائم يُفترض أن أصحابها مرشحون فى انتخابات نيابية عامة وليسوا منشدين فى فرق تُردَّد أناشيد حماسية، لا تقل خطراً عن الاتجار بالدين. وخداع الناس للحصول على أصواتهم باسم مصر والوطن والوطنية لا يقل بشاعة عن سلب ألبابهم لضمان تأييدهم باسم الدين والإسلام والعقيدة والشريعة.