بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لم أجد فى البرنامج الثقافى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، الذى افتُتح الخميس الماضى، أشد ما نحتاجه الآن، وهو الحوار حول كيفية إعادة العقل إلى مجتمع يواجه أزمة ثقافية متراكمة على مدى عقود. البرنامج معقول لو أننا فى ظرف طبيعى لا نواجه فيه مثل هذه الأزمة، حيث يتهاوى العقل تحت مطارق الاتهامات المتبادلة، وموجات التكفير والتخوين اللذين يسابق كل منهما الآخر، وكأننا لم نتحرك خطوة فى طريق بدأناه منذ قرنين نحو العصر الحديث.
العقل هو السبيل الوحيد إلى مستقبل يبدأ بالتفكير الموضوعى الحر فى كيفية حل معادلات بالغة الصعوبة على مختلف المستويات من الاقتصاد والمجتمع إلى العلم والمعرفة، مروراً بالسياسة والفكر. ولا يتيسر للعقل أن يؤدى دوره هذا دون إطلاق حرية التفكير والتعبير. ولذلك يفترض أن تكون الفعاليات الثقافية الكبرى فى ظروفنا الراهنة، ومنها معرض الكتاب، مناسبة لحوار مُكثَّف حول كيفية إنقاذ العقل المصرى فى أجواء ثقيلة يصنعها إسفاف إعلامى وتدهور معرفى وتسطيح ثقافى.
فعندما يكون العقل النقدى والعلمى معطلا، يفقد المجتمع أهم أدوات التقدم، ويُثار مجددا السؤال الذى ظهر فى مطلع عصر النهضة، وكاد يختفى فى عالمنا الراهن إلا قليلا، وهو: ما الذى يمكن أن يفعله أصحاب العقول النقدية من المثقفين والعلماء حين يصطدم سعيهم إلى المساعدة فى تقدم بلدهم بموجات تخوين أو تكفير عاتية محمَّلة بأثقال من الجهل والتخلف والضحالة والتسلط وكراهية المعرفة والولع ببناء قصور على رمال؟.
وإذا كانت مسئولية أصحاب العقل هى تنوير الناس، والإسهام فى حل مشكلات بلادهم وتحقيق تقدمها، فكيف يتصرفون حين تصطدم محاولاتهم التنويرية بموجات تخوينية وتكفيرية تغرق المجتمع فى ظلمات, وتفقده الثقة فى قدرته على المشاركة فى إدارة شئونه وبناء مستقبله؟.
وهذا سؤال من أهم الأسئلة التى ينبغى أن ينشغل بها مُنظَّمو النشاطات الثقافية. ولكن هذه النشاطات باتت نمطية روتينية ويصعب تمييز بعضها عن حفلات الاستقبال والعلاقات العامة، لأن الكثير من القائمين عليها لا يدركون الأخطار المترتبة على حالة تهاوى العقل، وما يقترن بها من خواء يصيب المجتمع فينتشر فيه الإحباط واليأس. وليس العقل وحده الذى يصبح خاويا فى هذه الحالة، بل روح المجتمع أيضا.
المصدر : الأهرام