اعتذار واجب

اعتذار واجب

اعتذار واجب

 تونس اليوم -

اعتذار واجب

بقلم : د. وحيد عبدالمجيد

لا يمكننى إلا أن أقدم اعتذاراً واجباً لروح الكاتب والمخرج المسرحى الألمانى الرائع برنولد بريخت بعد أن شاهدت عرضاً مصرياً لمسرحيته الملهمة «الأم شجاعة وأبناؤها» على مسرح ميامي.

وليس مفهوما كيف يمكن الإقدام على تقديم عرض لمسرحية يعرف الجميع مدى صعوبة الارتفاع إلى مستواها دون عمل جاد للغاية، واستيعاب عميق لرسالتها ومعانيها. 

كتب بريخت هذه المسرحية عام 1939 حين كان فى الدنمارك هارباً من ألمانيا التى غادرها عقب وصول هتلر إلى السلطة (1933)، لأن الحزب الشيوعى الذى انتمى إليه كان فى مقدمة القوى التى سعى النازيون إلى استئصالها. 

ومن أهم سمات مسرح بريخت التى تبرز فى هذه المسرحية إشراك المشاهد فى العمل الذى يُعرض، باعتباره عنصراً رئيسياً فيه. ولذلك أُطلق عليه مسرح «هدم الجدار الرابع»، أى ذلك الجدار الوهمى بين خشبة المسرح بجدرانها الثلاثة المعروفة والجمهور. ولكن المشاهد المصرى لا يجد شيئاً من ذلك. 

كما لا يجد تعبيراً واضحاً عن الرسالة الجوهرية للمسرحية، وهى أن الجميع يخسرون فى الحرب مهما تكن نتيجتها, وأن المنتصر فيها خاسر أيضا. وهو يقدم هذه الرسالة من خلال أحداث تخيلها فى حرب أوروبية كبرى سابقة تعرف بحرب الثلاثين عاماً (1618-1648).

ولكن رسالة المسرحية ليست لها علاقة بالطابع الدينى لتلك الحرب، بخلاف ما يبدو أن صانعى العرض المصرى فهموه أو حاولوا إضفاءه على هذا العرض. فالرسالة أعم وأعمق. وقدمها يريخت ببراعة من خلال قصة الأم التى تسعى للإثراء من الحرب، فتخسر فى النهاية أبناءها الثلاثة (ابنان وابنة) بسبب هذه الحرب التى سعت إلى الكسب منها. ورغم أن الفكرة هنا تقليدية تتعلق بأثرياء الحروب كلها، فإن بريخت يُوَّظفها فى إطار رسالة أشمل عن عبثية الحرب مهما تكن دوافع هذا الطرف أو ذاك لخوضها. 

ولا نجد ما يدل على هذا المعنى فى العرض المسرحي. وقل مثل ذلك عن معنى آخر بالغ الأهمية، فضلاً عن أهميته بالنسبة لأوضاعنا الراهنة، وهو أن الفضيلة والخير لا يجدان مكاناً عندما يسود الفساد. 

وليس هذا إلا بعض ما يوجب الاعتذار للمسرحى العظيم صاحب العمل الذى أساء العرض المصرى الاخير تقديمه. 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعتذار واجب اعتذار واجب



GMT 08:45 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

موقعة إنجليزية فى مدريد

GMT 07:24 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

أطفال تُعساء زى الفل!

GMT 08:29 2019 الإثنين ,27 أيار / مايو

أبعاد أزمة هواوى

GMT 07:38 2019 الأحد ,26 أيار / مايو

فضيلة تفهم الدوافع

GMT 07:57 2019 الخميس ,23 أيار / مايو

ظاهرة «الفاجومى» علميا

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia